وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين} أي : بعضَهم، ﴿يصدون عنك﴾ غير راضين بحكمك ﴿صدودًا﴾ عظيمًا. ﴿فكيف﴾ يكون حالهم ﴿إذا أصابتهم مصيبة﴾ كقتل عمر المنافقَ، بسبب ما قدمت ﴿أيديهم﴾ من عدم الرضى بحكم الله، ﴿ثم جاؤوك﴾ يطلبون ديّة صاحبهم، ﴿يحلفون بالله إن أردنا﴾ بالإنصراف إلى عمر ﴿إلا أحسانًا﴾ منه بالخصمين، ﴿وتوفيقاً﴾ بينهما، قطعًا للنزاع بينهما، قال تعالى :﴿أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم﴾ من النفاق، فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من الله شيئًا، أو يعلم الله ما في قلوبهم من الطمع في الدية، ﴿فأعرض عنهم﴾، أي : عن قبول معذرتهم ولا تمكنهم من طمعهم، ﴿وقل لهم في أنفسهم﴾، أي : خاليًا بهم ﴿قولاً بليغًا﴾ يبلغ إلى قلوبهم، ويؤثر فيهم، لينزجروا عن طلب دم صاحبهم، وإنما أمر أن يعظهم خاليّا لأن النصح في ذلك أنجح، وأقرب للقبول، ولذلك قيل : من نصحك وَحدَكَ فقد نصحك، ومن نصحك مع الناس فقد فضحك. والله أعلم.
الإشارة : كل من دخل تحت ولاية شيخ التربية، وجب أن يرد حكوماته كلها إليه، ويرضى بما قضى عليه، وترى بعض الفقراء يزعمون أنهم في تربية الشيخ وتحت
٦٢
أحكامه، ثم يتحاكمون إلى حُكام الجور وقضاة الزمان في أمر الدنيا وما يرجع إليها، فهؤلاء قد ضلوا ضلالاً بعيدًا. إلا أن يتوبوا ويُصلحوا ما أفسدوا، بإصلاح قلب الشيخ حتى يجبر كسرهم، فالمريد الصادق لا يصل إلى الحاكم، ولو ذهب ماله كله، فإن كان ولا بد. فليوكل عنه في ذلك.
فيكيف إذا أصابت هؤلاء مصيبة وهي ظلمة القلب، وفتنة الدنيا بسبب ما قدمت أيديهم من تخطى حكم شيخهم إلى حُكم غيره، ثم جاؤوك يحلفون بالله ما أردنا إلا أحسانًا وهو حفظ مالنا، وتوفيقًا بيننا وبين خصمنا، فيجب على الشيخ أن يُعرض عن عتابهم ويذكرهم حتى يتوبوا، فإن تابوا فإن الله غفور رحيم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦١


الصفحة التالية
Icon