﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم﴾، توبة من ذنوبكم، كما كتبناه على بني إسرائيل، أو في الجهاد في سبيل الله، ﴿أو اخرجوا من دياركم﴾ كما خرج بنو إسرائيل حين أمرناهم بالهجرة من مصر، ﴿ما فعلوه إلا قليل منهم﴾ وهم المخلصون. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :(لو كتب ذلك علينا أنا أول خارج). قال ثابت بن قيس بن شماس :( لو أمرني رسول الله ﷺ أن أقتل نفسي لفعلت). وكذلك قال عُمر وعمارُ بن ياسر وابنُ مسعود وناس من أصحاب رسول الله ﷺ : لو أمرنا لفعلنا. فبلغ ذلك النبيُ ﷺ فقال :" إنَّ مِن أُمَّتِي رِجَالاً : الإيمَانُ في قُلُوبِهِم أثبَتُ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي " فهؤلاء من القليل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٣
وسبب نزول قوله :﴿فلا وربك...﴾ الخ : قضية الزُّبَيرِ مع حَاطِب في شرَاج الحَرَّة، كَانَا يسقيانِ به النّخل، فتخاصما إلى رسول الله ﷺ فقال عليه السلام :" اسقِ يا زُبيرُ وأرسِل إلى جارِكَ " فقال حَاطبُ : لأن كَان ابن عمتك. فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" اسقِ يا زُبيرُ، واحِبِس الماءَ حتَّى يبلغ الجدر واستوف حقك " وقيل : نزلت في اليهودي مع المنافق المتقدم، وهو أليق بالسياق. ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به﴾ من طاعة الرسول، والرضى بحكمه، ﴿لكان خيرًا لهم﴾ في آجلهم وعاجلهم، ﴿وأشد تثبيتًا﴾ في دينهم وقوة في إيمانهم، أو تثبيتًا لثواب أعمالهم، ﴿وإذًا﴾ لو فعلوا ذلك ﴿لآتيناهم من لدنا أجرًا عظيمًا ولهديناهم صراطًا مستقيمًا﴾ يصلون بسلوكه إلى حضرة القدس، ودوام الأنس، ويفتح لهم أسرار العلوم، ومخازن الفهوم، قال ﷺ :" من عَمِلَ بما عِلَمَ أورثه الله علمَ ما لم يعلم " والله تعالى أعلم.