ثم قال جلّ جلاله :﴿وحسن أولئك رفيقًا﴾ أي : ما أحسنهم رفقًا في الفراديس العُلى، فهم يتمتعون فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كانوا أعلى منهم، فلا يلزم من كونه معهم أن تستوي درجته معهم، قال في الحاشية : وتعقل مرافقة من دون النبي في المدانات من حاله وكشفه، بحيث لا يحجب عنه، وإن كان لا مطمع له في منزلته، واعتبر برؤية البصائر له وعدم غيبته عنهم وأنسهم به والاستفادة منه، رُوِي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال :" يزور الأعلَون من أهل الجنة الأسفلين، ولا يزور الأسفلون الأعلين، إلا من كان يزور في الله في الدنيا، فذلك يزور الجنة حيث شاء ". رُوِيَ أن ثَوبَانَ مَولى رَسُول الله ﷺ أتاه يومًا وَقَد تَغَيَّر وَجهُهُ وَنَحَلَ جِسمُهُ، فسأله عليه الصلاة والسلام عن حاله، فقال : ما بي وَجَعٌ، غَيرَ أنِّي إذَا لَمْ أرَكَ اشتقْتُ إليك، واستَوحَشتُ وَحشةً شَدِيدَةً حَتَى ألقَاكَ، ثمَّ ذَكَرتُ الآخِرَةَ فخفت ألا أرَاكَ هُنَاكَ ؛ لأني عرفت أنكَ تُرفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ. وإن دخلتُ الجَنَّة، كُنتُ في مَنزلٍ أدون مِن مَنزِلكَ، وأن لَم أدخُلِ الجَنَّةَ فّذَلكَ حَرِيّ ألا أرَاكَ أبَدًا. فنزلت الآية ﴿ومَن يطع الله والرسول...﴾ الخ.
﴿ذلك الفضل من الله﴾ إشارة إلى ما للمطيعين من الأجور، ومزيد القرب والحضور، وأنه فضل تفضل على عباده، ﴿وكفى بالله عليمًا﴾ بمقادير الأعمال والمقامات. فيُجازى كُلاًّ على حسب مقامه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الطاعة التي توجب المعية الحسية في النعيم الحسي الجسماني هي الطاعة الظاهرة الحسية. والطاعة التي توجب المعية المعنوية في النعيم الروحاني هي الطاعة الباطنية القلبية. فالمعية الحسية صاحبها مفروق، والمعية المعنوية صاحبها مجموع، لا يغيب عن حبيبه لحظة. هؤلاء هم الصديقون المقربون. وفوقهم الأنبياء، وتحتهم الشهداء والصالحون.