وبيان ذلك أن العلم بالله تعالى : إما أن يكون عن كشف الحجاب وانقشاع السحاب، أعني سحاب الأثر، وهم أهل الشهود والعيان. وإما أن يكون من وراء الحجاب، يأخذون أجرهم من وراء الباب، يستدلون بالآثار على المؤثر. وهم أهل
٦٦
الدليل والبرهان. والأولون إما أن يرتقوا إلى مكافحة الوحي ورؤية الملائكة الكرام. وهم الأنبياء والرسل ـ عليه الصلاة والسلام -، وإما أن يقصروا عن درجة الوحي ويكون لهم وحي إلهام، وهم الصديقون ؛ أهل الحال والمقام، فقد اشتركوا في مقام العيانِ. لكن مقام الحضرة فضاؤه واسع، والترقي في معارج أسرار التوحيد غير متناهٍ، فحيث انتهى قدم الولي ابتدأ ترقي النبي، وأما أهل الحجاب فإما أن يكون علمهم بالله بالبراهين القطعية والدلائل السمعية، وهم العلماء الراسخون، وهو مقام الشهداء، وإما أن يكون علمهم بالرياضات والمجاهدات وتواتر الكرامات، وهم العباد والزهاد. وهو مقام الصالحين، ويلتحق بهم عوام المسلمين، لأن كل مقام من هذه المقامات في درجات ومقامات لا يحصرها إلا العالم بها. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥
قلت : الحِذر والحَذَر واحد، كالشِّبه والشِّبَه، وبَطًأ يستعمل لازمًا بمعنى ثقل، ومتعديًا ـ بالتضعيف ـ أي : بطَّأ غيره، و ﴿لَمَن ليبطئن﴾ اللام الأولى للابتداء، والثانية للقسم، أي : وإنَّ منكم ـ أُقسم بالله ـ لمن ليبطئن. وجملة :﴿كأن لم يكن﴾ : اعتراضية بين القول والمقول، تنبيهًا على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قولُ من لا مواصلة بينكم وبينه.


الصفحة التالية
Icon