فإن تثاقل هذا عن القتال أو بطَّأ غيره، ﴿فليقاتل في سبيل الله﴾ أهلُ الإخلاص والإيمان ﴿الذين يشرون﴾، أي : يبيعون ﴿الحياة الدنيا بالآخرة﴾، فيؤثرون الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، ﴿ومن يقاتل في سبيل الله﴾ لإعلاء كلمة الله ﴿فيُقتل﴾ شهيدًا ﴿أو يَغلب﴾ عدوه وينصره الله ﴿فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا﴾، وإنما قال تعالى :﴿فيُقتل أو يَغلب﴾ تنبيهًا على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة، حتى يعز نفسه بالشهادة، أو الدين بالظفر والنصر. وألا يكون قصده بالذات القتل، بل إعلاء الحق وإعزاز الدين. قاله البيضاوي.
الإشارة : يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص ؛ خذوا حذركم من خدع النفوس، لئلا تعوقكم عن حضرة القدوس، فانفروا إلى جهادها ثُباتٍ أو جماعة ؛ " فإن يد الله مع الجماعة، فالصحبة عند الصوفية شرط مؤكد وأمر محتم. والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح، فالنفس الحية لا تموت مع الأحياء، وإنما تموت مع الأموات، فهي كالحوت ما دامت في البحر مع الحيتان لا تموت أبدًا، فإذا أخرجتها وعزلتها عن أبناء جنسها ماتت سريعًا. كما قال شيخنا رضي الله عنه.
وإن من نفوسكم لمن لِيبطئنكم عن السير إلى حضرة قدسكم، تفر من مواطن الشدة والمحن، وفي ذلك حياتها لو تعقل وتفطن، فإن أصابتكم ـ أهلَ النسبة ـ نكبة، أو تعرف من التعرفات، ولم يصادفها في ذلك الوقت شيء من تلك النكبات، قال : قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيدًا، ولئن أصابكم بعد ذلك فضل من الله كنفحات ربانية وخمرات أزلية، قالت : يا ليتني كنتُ معهم فأفوز كما فازوا، فليجاهد نفسَه في سبيل الله مَنْ أراد الظفر بحضرة الله، يقدمها إلى المكاره، وهو كُلُّ ما يثقل عليها، ويجنبها الشهوات، وهو كل ما يخف عليها، هكذا يسير معها ويقاتلها، حتى يموت أو يغلبها ويظفر بها.