قلت :(عند الله) : معمول لعدة ؛ لأنها مصدر، و (في كتاب الله) : صفة لاثني عشر، و (يوم) : متعلق بالثبوت المقدر في الخبر، أي : ثابتة في كتاب الله يوم خلق الأكوان والزمان. وقوله :(منها) : أي : الأشهر، ثم قال :(فيهن). وضابط الضمير إن عاد على الجماعة المؤنثة، حقيقة أو مجازاً، إن كانت أكثر من عشرة، قلتَ : منها وفيها، وإن كانت أقل من عشرة، قلت : منهن وفيهن، قال تعالى :﴿يَأكُلُهُنّ﴾ [يوسف : ٤٦] وقال هنا :(فيهن). انظر الإتقان. و (كافة) : حال من الفاعل أو المفعول.
يقول الحق جل جلاله :﴿إِنَّ عِدَّة الشهور﴾ في كل سنة ﴿عند الله﴾ ؛ في علم تقديره، ﴿اثنا عشرَ شهراً﴾ : أولها المحرم، وآخرها ذو الحجة. وأول من جعل أولها المحرم : عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهذه العدة ثابتة ﴿في كتاب الله﴾ ؛ اللوح المحفوظ، أو في حكمه، أو القرآن، ﴿يومَ خَلَقَ السموات والأرض﴾، هذا أمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة، ﴿منها﴾ أي : الأشهر ﴿أربعة حُرُم﴾، واحد فرد، وهو رجب، وثلاثة سَرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ﴿ذلك الدين القيم﴾ أي : تحريم الأشهر الحرم هو الدين القويم، دين إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ وتمسكت به العرب حتى غيَّره بعضهم بالنسيء، ﴿فلا تظلموا فيهن أنفسَكم﴾ ؛ بهتك حرمتها والقتال فيها، ثم نسخ بقوله :﴿وقاتلوا المشركين كافةً﴾ أي : في الأزمنة كلها ؛ ﴿كما يُقاتلونكم كافة﴾ ؛ لأنهم، إن قاتلتموهم فيها قاتلوكم فهذا نسخ لتحريم القتال في الأشهر الحرم.
وقال عطاء : لا يحل للناس أن يغزوا في الأشهر الحرم، ولا في الحَرم، إلا أن يُبدئوا بالقتال، ويرده غزوه ﷺ حُنيناً والطائف في شوال وذي القعدة. ﴿واعلموا أن الله مع المتقين﴾ بالنصر والمعونة، وفيه بشارة وضمان لهم بالنصر بسبب تقواهم.