الإشارة : انفروا إلى الجهاد أنفسكم وقطع علائقكم وعوائقكم، لكي تستأهلوا لدخول حضرة ربكم، وسافروا إلى من يعينكم ويقوي مدد أجناد أنواركم، وهم المشايخ العارفون، فسيروا إليهم خفافاً وثقالاً، ونشاطاً وكُسَّالاً، والغالب أن النفس يشق عليها ما يكون سبباً في قتلها فلا ينفر إليها خفافاً أول مرة إلا النادر.
ثم أمر ببذل الأموال والمُهج في طريق الوصول إلى حضرة الله، وعاتب من تخلف عن ذلك وطلب الراحة والبقاء في وطن نفسه. قال القشيري : أمرهم بالقيام بحقه، والبدار إلى أداء أمره على جميع أحوالهم، ﴿خفافاً﴾ أي : في حال حضور قلوبكم، فلا يمسُّكم نَصَبُ المجاهدات، ﴿وثقالاً﴾ أي : إذا رُدِدتُم إليكم في مقاساة نصب المكابدات. فإن البيعةَ أُخِذَتْ عليكم في المنشط والمكره. هـ. ومثله عند الورتجبي عن أبي عثمان قال : خفافاً وثقالاً ؛ في وقت النشاط والكراهية، فإن البيعة على هذا وقعت، كما روى عن جرير بن عبد الله أنه قال : بايعنا رسول الله على المنشط والمكره. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٨
يقول الحق جل جلاله : لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ ملاطفاً له في الكلام :
٧٩
﴿عفا اللَّه عنك لم أذنتَ لهم﴾، لِمَ بادرت إلى الإذن إلى المنافقين في التخلف، واستكفيت بالإذن العام في قولنا :﴿فَأذَن لِّمن شئتَ مَنهُم﴾ [النور : ٦٢]، فإن الخواص من المقربين لا يكتفون بالإذن العام، بل يتوقفون إلى الإذن الخاص. ولذلك عُوتِبَ يونس عليه السلام. والمعنى : لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتذروا لك بأكاذيب ؟ وهلا توقفت ﴿حتى يتبين لك الذين صدقوا﴾ في الاعتذار، ﴿وتعلم الكاذبين﴾ فيه.


الصفحة التالية
Icon