الإشارة : لا ينبغي للعارفين بالله ؛ الداعين إلى الله، أن يأذنوا لمن استأذنهم في التخلف عن الجهاد الأكبر، ويرخصون له في البقاء مع النفس والهوى، وجمع حطام الدنيا، شفقةُ ورحمةً ؛ لأن الشفقة في هذا المعنى لا تليق بأهل التربية، فقد قالوا : الشفقة والرطوبة لا تليق بشيوخ التربية، بل لا يليق بهم إلا الأمر بما تموت به النفوس، وتحيا به الأرواح، وإن كان فيه حتفُهم. وقد قالوا أيضاً : إذا كان الشيخ يحرش على المريد، ويقدمه للمهالك في نفسه أو ماله أو جاهه، فهو دليل على أنه يحبه وينصحه، وإذا كان يرخص له في أمورنفسه، ويأمره بالمقام معها، فهو غير ناصح له.
وأما الإذن في التجريد وعدمه : فإن رآه أهلاً له ؛ لنفوذ عزمه، فيجب عليه أن يأمره به، وإن رآه لا يليق به ؛ لعوارض قامت به ؛ منعه منه، حتى ينظر ما يفعل الله به، وسأل رجلٌ القطبَ ابنَ مشيش، فقال له : يا سيدي ؛ استأذنك في مجاهدة نفسي ؟ فقال له :﴿لا
٨٠
يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون﴾
.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٩
قلت :﴿ما زادوكم إلا خبالاً﴾ قال بعضهم : هو استثناء منقطع، أي : ما زادوكم شيئاً، لكن خبالاً يُحدِثُونه في عسكركم بخروجهم. قال ذلك : لئلا يلزم أن الخبال واقع في عسكر المسلمين، لكن خروجهم يزيد فيه. وفيه نظر ؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً، ويمكن هنا أن يكون متصلاً ؛ لأن غزوة تبوك خرج فيها كثير من المنافقين، فحصل الخبال، فلو خرج هؤلاء المستأذنون في التخلف، القاعدون، لزاد الخبالُ بهم.
وقوله :(ولأوضعوا) أي : أسرعوا، والإيضاع : الإسراع، (وخلالكم) : ظرف، أي : لأسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة، وجملة :(يبغونكم) : حال من فاعل " أوضعوا ".


الصفحة التالية
Icon