يقول الحق جل جلاله :﴿ولو أرادوا﴾ ؛ أراد المنافقون ﴿الخروجَ﴾ إلى الغزو معكم، وكانت لهم نية في ذلك ﴿لأعدُّوا له عُدَّةً﴾ أي : لاستعدوا له أهبتَهُ قبل أوانه. فما فعلوا، ﴿ولكن﴾ تثبطوا ؛ لأنه تعالى كره ﴿انبعاثهم﴾، أي : نهوضهم للخروج، ﴿فثبَّطهم﴾ أي : حبسهم وكسر عزمهم، كسلاً وجبناً، ﴿وقيلَ﴾ لهم :﴿اقعدوا مع القاعدين﴾ من النساء والصبيان وذوي الأعذار، وهو ذم لهم وتوبيخ. والقائل في الحقيقة هو الله تعالى، وهو عبارة عن قضائه عليهم بالقعود، وبناه للمجهول تعليماً للأدب. قال البيضاوي : هو تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود، أو حكاية قول بعضهم لبعض، أو إذن الرسول لهم. هـ.
﴿لو خرجوا فيكم﴾ ما زادكم خروجهم شيئاً ﴿إلا خبالاً﴾ ؛ فساداً وشراً. والاستثناء من أعم الأحوال، فلا يلزم أن يكون الخبال موجوداً، وزاد بخروجهم، أو إذا وقع خبال بحضور بعضهم معكم ما زادكم هؤلاء القاعدون بخروجهم إلا خبالاً زائداً على ما وقع. ﴿ولأوْضَعُوا﴾ أي : لأسرعوا ﴿خِلالَكُم﴾ أي : فيما بينكم، فيسرعون في المشي بالنميمة والتخليط والهزيمة والتخذيل، ﴿يبغونَكُم الفتنة﴾ أي : حال كونهم طالبين لكم الفتنة،
٨١
بإيقاع الخلل بينكم، قلوبكم ورأيُكم، فيذهب ريح نصركم، ﴿وفيكم﴾ قوم ﴿سماعُون لهم﴾ ؛ فيقبلون قولهم، إما بحسن الظن بهم، أو لنفاق بهم، فيقع الخلل بسبب قبول قولهم، أو فيكم سماعون لأخباركم فينقلونه إلى غيركم، ﴿والله عليم بالظالمين﴾ ؛ فيعلم ضمائرهم، وما ينشأ عنهم، وسيجازيهم على فعلهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon