يقول الحق جل جلاله :﴿إِنما﴾ تدفع ﴿الصدقاتُ﴾ الواجبة ـ أي : الزكاة ـ لهؤلاء الثمانية، وهذا يُرَجَّحُ أن لَمْزهم كان في قسم الزكاة لا في الغنائم، واختصاص دفع الزكاة بهؤلاء الثمانية مجمع عليه، واختلف : هل يجب تعميمهم ؟ فقال مالك : ذلك إلى الإمام، إن شاء عمم وإن شاء خصص، وإن لم يلها الإمام ؛ فصاحب المال مخير، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وأفتى به بعض الشافعية، وقال الشافعي : يجب أن تقسم على هذه الأصناف بالسواء، إن وجدت.
أولها : الفقير : وهو من لا شيء له، وثانيها : المسكين : وهو من له شيء لا يكفيه. فالفقير أحوج، وهو مشتق من فقار الظهر، كأنه أصيب فقاره، والمسكين من السكون، كأن العجز أسكنه. ويدل على هذا قوله تعالى :﴿أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَت لِمَسَكِينَ﴾ [الكهف : ٧٩]. فسماهم مساكين مع ملكهم السفينة، وأنه ﷺ سأل المسكنة ؛ وقيل بالعكس، لقوله تعالى :﴿أًو مِسكيناً ذَا مَتربَةٍ﴾ [البلد : ١٦] وقيل : هما سواء. ﴿والعاملينَ عليها﴾ أي : الساعين في تحصيلها وجمعها، ويدخل فيهم الحاشر والكاتب والمفرق، ولا بأس أن يعلف خيلهم منها، ويضافون منها بلا سَرف. ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ قال مالك : هم كفار ظهر ميلهم للإسلام، فيعطوا ترغيباً في الإسلام. وقيل قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة، فيعطوا ليتمكن الإسلام في قلبهم، وحكمُهم باق، وقيل : أشراف يُترقب بإعطائهم إسلام نظائرهم.
﴿وفي الرقاب﴾ أي : في فك الرقاب، يشترون ويعتقون، ﴿والغَارِمينَ﴾، أي : مَنْ عليهم دَيْن، فيعطى ليقضي دينه، ويشرط أن يكون استدانة في غير فساد ولا سرف، وليس له ما يبيع في قضائه. ﴿وفي سبيل الله﴾ يعني : الجهاد، فيعطى منها المجاهدون وإن كانوا أغنياء، ويشتري منها آلة الحرب، ولا يبنى منها سور ولا مركب. ﴿وابن السبيل﴾ وهو الغريب المحتاج لما يوصله لبلده، ولم يجد مسلفاً، إن كان مليَّاَ ببلده، وإلا أعطي مطلقاً.