وقال السهروردي في عوارفه : الفقر أساس التصوف، وبه قوامه، ويلزم من وجود التصوف وجود الفقر ؛ لأن التصوف اسم جامع لمعاني الفقر والزهد، مع زيادة أحوال لا بد منها للصوفي، وإن كان فقيراً زاهداً. وقال بعضهم : نهاية الفقر بداية التصوف ؛ لأن التصوف اسم جامع لكل خلق سني، والخروج من كل خلق دنيء، لكنهم اتفقوا ألاًّ دخول على الله إلا من باب الفقر، ومن لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بشيء مما أشار إليه القوم.
وقال أبو إسحاق الهروي أيضاً : من أراد ان يبلغ الشرفَ كل الشرف ؛ فليخترْ سبعاً على سبع، فإن الصالحين اختاروا حتى بَلَغُوا سنام الخير. واختاروا الفقر على الغنى، والجوع على الشبع ؛ والدُّون على المرتفع، والذلَّ على العز، والتواضع على الكبر، والحزن على الفرح، والموت على الحياة. هـ. وقال بعضهم : إن الفقير الصادق ليحترز من الغنى ؛ حذراً أن يدخله ؛ فيفسد عليه فقره، كما يحترز الغنى من الفقر ؛ حذراً أن يفسد عليه غناه.
قال بعض الصالحين : كان لي مال، فرأيت فقيراً في الحرم جالساً منذ أيام، ولا يأكل ولا يشرب وعليه أطمار رثة، فقلت : أُعنيه بهذا المال ؛ فألقيته في حجره، وقلت : استعن بهذا على دنياك، فنفض بها في الحصباء، وقال لي : اشتريتُ هذه الجلسة مع ربي بما ملكت، وأنت تفسدها عليَّ ؟ ثم انصرف وتركني ألقُطها. فوالله ما رأيت أعز منه لَمَّا بَدَّدَها، ولا أذل مني لما كنت ألقطها. هـ.
وكان بعضهم إذا أصبح عنده شيء ؛ اصبح حزيناً، وإذا لم يصبح عنده شيء ؛ أصبح
٨٩


الصفحة التالية
Icon