وقد تكلم القشيري هنا على أخذ الزكاة وتركها، فقال : من أهل المعرفة من رأى أنَّ أَخذَ الزكاة المفروضة أَولى، قالوا : لأن الله ـ سبحانه ـ جعل ذلك مِلكاً للفقير، فهو أحل له من المتطوع به. ومنهم من قال : الزكاة المفروضة لأقوام مستحقة، ورأوا الإيثار على الإخوان أولى، فلم يزاحموا أرباب السهمان، وتحرجوا من أخذ الزكاة، ومنهم من قال : إن ذلك وسخ الأموال، وهو لأصحاب الضرورات. وقالوا : نحن آثرنا الفَقْرَ اختياراً... فلم يأخذوا الزكاة المفروضة. ه.
وقوله تعالى :(والعاملين عليها) : هم المستعدون للمواهب بالتفرغ والتجريد، و (المؤلفة قلوبهم) على حضرة محبوبهم، والجادُّون في فك الرقاب من الجهل والغفلة ؛ وهم أهل التذكير، الداعون إلى الله، (والغارمين) أي : الدافعون أموالهم ومهجهم في رضى محبوبهم، فافتقروا فاستحقوا حظهم من المواهب والأسرار، و(في سبيل الله) أي : المجاهدون أنفسهم في مرضاة الله. (وابن السبيل) : السائحين في طلب معرفة الله. والله تعالى أعلم.
٩٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٨
قلت :(قل أُذُنُ خير) : من قرأ بالإضافة ؛ فـ (لكم) : متعلق بالاستقرار، أي : هو أذن خير كائن لكم. ومن قرأ بالتنوين ؛ فـ (خير) : خبر عن " أُذن " ؛ خبر ثانٍ، ومن قرأ :" ورحمة " ؛ بالرفع فعطف على (أذن خير)، ومن قرأ بالجر، فعطف على " خير "، المجرور.
يقول الحق جل جلاله :﴿ومنهم الذين يُؤذون النبيَّ ويقولون﴾ فيه :﴿هو أُذُنُ﴾ يسمع كل ما يقال له يصدقه ؛ حقاً كان أو باطلاً، فإذا حلفنا له أنا لم نقل شيئاً صدقنا. والقائل لهذه المقالة : قيل : هو نَبْتَل بْن الحَارِثِ، وكان من مردة المنافقين : وقيل : عتاب بن قشير، في جماعة، قالوا : محمد أذن سامِِعِه، نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا فيما نقول. قال البيضاوي : سمي بالجارحة للمبالغة ؛ كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع، كما سمي الجاسوس عيناً. هـ.


الصفحة التالية
Icon