يقول الحق جل جلاله :﴿يحذَرَ المنافقون أن تُنَزّلَ عليهم﴾ أي : في شأنهم، ﴿سورةٌ﴾ من القرآن على النبي ﷺ، ﴿تُنبئهم﴾ أي : تخبرهم، أي : المنافقين، ﴿بما في قلوبهم﴾ من الشك والنفاق، وتهتك أستارهم، وكانوا يستهزئون بأمر الوحي والدين، فقال تعالى لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام :﴿قل﴾ لهم :﴿استهزئوا﴾ ؛ تهديداً لهم، ﴿إن الله مُخرِجٌ ما تحذَرُون﴾ من إنزال السورة فيكم، أو ما تحذرون من إظهار مساوئكم.
﴿ولئن سألتهم﴾ عن استهزائهم، ﴿ليقولن إِنما كنا نخوضُ ونلعبُ﴾ فيما بيننا. رُوي أن ركباً من المنافقين مروا على رسول الله ﷺ، في غزوة تبوك، فقالوا : انظروا إلى هذا
٩٣
الرجل، يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه، هيهات هيهات! فأخبر الله نبيه، فدعاهم فقال :" قلتم : كذا وكذا ؟ " فقالوا : لا، والله، ما كنا في شيء من أمرك، ولا من أمر أصحابك، ولكنا كنا في شيء مما يخوض فيه الركب، ليقصر بعضنا على بعض السفر.
قال تعالى :﴿قل أباللّهِ وآياتِه ورسوله كنتم تستهزئون﴾، توبيخاً لهم على استهزائهم بما لا يصلح الاستهزاء به، ﴿لا تعتذروا﴾ أي : لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة ؛ ﴿قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ أي : قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول والطعن عليه، بعد إظهار إيمانكم الكاذب. ﴿إن نعفُ عن طائفةٍ منكم﴾ ؛ بتوبتهم وإخلاصهم، حيث سبق لهم ذلك ؛ كانَ منهم رجل اسمه مَخشِيّ، تاب ومات شهيداً. أو لكفهم عن الإيذاء، ﴿نُعَذِّب طائفة بأنهم كانوا﴾ في علم الله ﴿مجرمين﴾ ؛ مُصرين على النفاق، أو مستمرين على الإيذاء والاستهزاء. والله تعالى أعلم.