ولما استغاثوا بالله وأظهروا الحاجة إليه أجابهم فقال :﴿فاستجاب لكم أني مُمدكم﴾ ؛ مقويكم ومكثركم ﴿بأَلْفٍ من الملائكة مُردفين﴾ يتبع بعضهم بعضاً، ويتبع المؤمين، فكانوا خلفهم ردْءاً لهم، فمن قرأ بفتح الدال فهو اسم مفعول، ومن قرأه بالكسر فاسم فاعل، وصح معنى القرءتين، لأن الملائكة المنزلين يتبع بعضهم بعضاً، فمنهم تابعون ومتبوعون، ومن قرأ بالفتح فالمراد مردفين بالمؤمنين، فكانوا مقدمة الجيش، ومن قرأ بالكسر فالمراد مردفين للمؤمنين تابعين لهم، فكانوا ساقة للجيش.
ثم ذكر حكمة الإمداد بقوله :﴿وما جعله الله﴾ أي : الإمداد ﴿إلا بُشرى﴾ أي : بشارة بالنصر، ﴿ولتطمئن به قلوبكم﴾ فيزول ما بها من الوجل لقلتكم، ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ ؛ لا يتوقف على سبب، ﴿إن الله عزيز﴾ لا يغلب ﴿حكيم﴾ في تدبير الأسباب وترتيبها رداء للقدرة الأزلية، فإمداد الملائكة، وكثرة العدد، والتأهب، وسائط،
لا تأثير لها، فلا تحسبوا النصر منها، ولا تيأسوا منه بفقدها، فحكم الأزل جلّ أن يضاف إلى العلل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩
الإشارة : إظهار الفاقة الابتهال لا يقدح في صحة التوكل على الكبيرالمتعال، بل هو شرف للإنسان، وتقريب من الكريم المنان، بل من شأن العارف الكامل الرجوع إلى الله في كل شيء، والتعلق به في كل حال، ولو وعده بالنصر أو الإجابة، لا يقطع عنه السؤال، عبوديةً وتملقاً بين يدي الحبيب.


الصفحة التالية
Icon