يقول الحق جل جلاله :﴿فَرَحَ المخلَّفُون﴾ أي : الذين خلفهم الله عن الغزو، وأقعدهم عنه، ولذلك عبَّر بالمخلفين دون المتخلفين، فرحوا ﴿بمقعدهم خلافَ رسول الله﴾ أي : بعده في غزوة تبوك، ﴿وكَرِهُوا أن يُجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ ؛ إيثاراً للراحة والدّعَةِ على طاعة الله ورسوله. وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ؛ ببذل الأموال والمهج، وأما المنافقون فآثروا الراحة وقعدوا، ﴿وقالوا لا تَنفروا في الحر﴾، قاله بعضهم لبعض، أو قالوه للمؤمنين تثبيطاً لهم. قال ابن جزي : قائل هذه المقالة رجل من بني سليم، ممن صعب عليه السفر إلى تبوك في الحر. هـ. ﴿قلْ نارُ جهنم أشدُّ حراً﴾، وقد آثرتموها بهذه المخالفة، ﴿لو كانوا يفقهون﴾ أن مآلهم إليها، أو كيف هي ؟... ما اختاروا بإيثار الدعة على الطاعة.
﴿فليضْحَكُوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسِبُون﴾، وهو إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة، أي : سيضحكون قليلاً، ويبكون كثيراً ؛ لما يرون من سوء العاقبة، وأتى به على صيغة الأمر ؛ للدلالة على أن حَتمٌ واجب وقوعه. قال ابن جزي : أمرٌ بمعنى الخبر، فضحكهم القليل في الدنيا مدة بقائهم فيها، وبكاؤهم الكثير في الآخرة، أي : سيضحكون قليلاً في الدنيا، ويبكون كثيراً في الآخرة، وقيل : هو بمعنى الأمر، أي : يجب أن يكونوا يضحكون قليلاً ويبكون كثيراً في الدنيا، لِمَا وقعوا فيه. ـ.
﴿فإنَّ رجعَك اللَّهُ إلى طائفَةٍ منهم﴾ أي : فإن ردك الله من الغزو إلى المدينة، وفيها طائفة من المتخلفين ـ يعني منافقيهم ـ وكانوا اثنى عشر رجلاً ممن تخلف من المنافقين، وإنما لم يقل : إليهم ؛ لأن منهم من تاب من النفاق، وندم على التخلف، ﴿فاستأذنوك للخروج﴾ معك إلى غزوة أخرى بعد تبوك، {فقل لن تخرجوا معي
١٠٣


الصفحة التالية
Icon