﴿لَكِنِ الرسولُ والذين آمنوا معه جاهدُوا بأموالهم وأنفسهم﴾ أي : إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم، ﴿وأولئك لهم الخيراتُ﴾ ؛ منافع الدارين : النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة، وقيل : الحُور، لقوله ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرحمن : ٧٠]، و ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ ؛ الفائزون بالمطالب البهية والمراغب السنية. ﴿أعدَّ اللَّهُ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم﴾ ؛ بيان لبعض الخيرات الأخروية.
الإشارة : إذا ظهر الدعاة إلى الله يُشوقون الناس إلى حضرة الله ؛ ترى من صُرِفَ عنه عِنَانُ العناية، ولم يضرب له مع السابقين بسهم الهداية، يميل إلى التقاعد إلى وطن الراحة، والميل إلى ما ألفه من سيئ العادة، يستأذن أن يتخلف مع النساء والصبيان، ويتنكب طريق الأقوياء من الشجعان، فإن تخلف هذا مع عوام الضعفاء فقد تقدم لهذا الأمر من يقوم به من الأقوياء، اختارهم الله لحضرته، وقواهم على مكافحة مشاهدته ومحبته، جاهدوا نفوسهم في معرفة محبوبهم، وبذلوا أموالهم ومهجهم في الوصول إلى مطلوبهم، ﴿وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٥
قلت :(المُعَذَرُون) : أصله : المعتذرون، نقلت حركة التاء إلى العين، وأدغمت التاء في الذال. وقرأ يعقوب :" المُعذِرونَ " : اسم مفعول، من أعذر، إذا بالغ في العذر.
يقول الحق جل جلاله :﴿وجاء المُعذرون عن الأعراب﴾ يعتذرون في التخلف عن الغزو ؛ ﴿ليُؤذَنَ لهم﴾ في القعود، قيل : هم أسد وغطفان ؛ استأذنوا في التخلف، معتذرين بالجهد وكثرة العيال. قيل : كاذبين، وقيل : صادقين. وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل، قالوا : إن غزونا معك غارت طيّئ على أهالينا ومواشينا، وقيل : نزلت في قوم من غِفار.
١٠٦


الصفحة التالية
Icon