يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ قوم ﴿آخرون اعترفوا بذُنوبهم﴾ ؛ وهو التخلف عن الجهاد، ولم يعتذروا عن تخلفهم بالأعذار الكاذبة، وهم طائفة من المتخلفين لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسَهم على سواري المسجد، وقالوا : لا نحل أنفسنا حتى يحلنا
١١٤
رسول الله ﷺ فلما قدم رسول الله ﷺ دخل المسجد، فصلى فيه ركعتين، على عادته، فرآهم وسأل عنهم، فذُكر له سببهم، فنزلت الآية فأطلقهم.
﴿خلطوا عملاً صالحاً﴾ بعمل سيء ﴿وآخر سيئاً﴾ بعمل صالح، خلطوا العمل الصالح الذي هو إظهار الندم والاعتراف بالذنب، بآخر سيئ وهو التخلف وموافقة أهل النفاق، أو خلطوا عملاً صالحاً، وهو ما سبق لهم من الجهاد مع الرسول، وغيره من الأعمال، بآخر سيئ، وهو تخلفهم عن تبوك. ﴿عَسَى اللهُ أن يتوبَ عليهم﴾ أي : يقبل توبتهم المدلول عليها بقوله :﴿اعترفوا بذنوبهم﴾، والرجاء في حقه تعالى واجب. ﴿إن الله غفور رحيمٌ﴾ يتجاوز عن التائب ويتفضل عليهم.
قال بعضهم : ما في القرآن آية أرجى لهذة الأمة من هذه الآية. وقال القشيري : قوله :﴿وآخر سيئاً﴾ بعد قوله :﴿عملاً صالحاً﴾ دليل على أن الزَّلَّةَ لا تحبط ثوابَ الطاعة ؛ إذ لو أحبطته لم يكن العملُ صالحاً، وهو كذلك. انتهى. قُلْتُ : وما ذكره من عدم الإحباط هو مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة، ولا يعارضه حديث مسلم :" أًنَّ رَجُلاً قال : واللَّهِ لا يَغفِرُ الله لفُلانِ، وإنَّ اللَّهَ قالَ : مَن الذي يَتَأَلّى عَلَيَّ أَلاَّ أَغفِرَ لفُلانِ، وإنّي غَفَرتُ لَه، وأحبطَتُ عَمَلك " أو كما قال ؛ لأن هذا الرجل كان من بني إسرائيل، ولعل شرعهم مخالف لشرعنا ؛ لأن هذه الأمة المحمدية قد وضع الله عنها أثقال بني إسرائيل، فهي ملة سمحة، ولعل هذا الرجل أيضاً كان قانطاً من رحمة الله ومكذباً بها، فهو كافر. انظر الحاشية الفاسية.