الإشارة : الناس ثلاثة : سابقون ومخلطون ومنهمكون. فالسابقون فائزون، والمخلطون راجون، والمنهمكون هالكون، إلا من تاب وعمل صالحاً، فالسابقون هم الذين غلب إحسانهم على إساءتهم، وصفاؤهم على كدرهم، إن هفوا رجعوا قريباً، فقد تمر عليهم السنين الطويلة، ولا يكتب عليهم ملك الشمال شيئاً ؛ وذلك ليقظتهم، لا لعصمتهم، والمخلطون هم الذين يكثر سقوطهم ورجوعهم، عسى الله أن يتوب عليهم. والمنهمكون هم المصرون على الفواحش، فإن سبقت لهم عناية رجعوا، وإن لم تسبق لهم عناية فهم مُعرِّضون لنقمة الله وحلمه، والله تعالى أعلم.
١١٥
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٤
يقول الحق جل جلاله : لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام :﴿خُذْ من أموالهم﴾ التي عرضوها عليك ﴿صدقة﴾، وهو الثلث، فأخذ عليه الصلاة والسلام من أموالهم الثلث، وترك لهم الثلثين، أو : خذ من أموالهم صدقة، وهي الزكاة المفروضة، والضمير لجميع المسلمين. من صفة تلك الصدقة :﴿تُطهّرهُم﴾ أنت يا محمد بها من الذنوب، أو حب المال المؤدي بهم إلى البخل، الذي هو أقبح الذنوب. وقرئ بالجزم ؛ جواب الأمر.
﴿وتُزكِّيهم﴾ أي : تنمي بها حسناتهم، أو ترفعهم ﴿بها﴾ إلى درجات المخلصين، ﴿وَصَلِّ عليهم﴾ أي : ترحم عليهم، وادع لهم بالرحمة، فكان عليه الصلاة والسلام يقول لمن أتاه بصدقته :" اللهُم صَل عَلى آلِ فُلان ". فأتى أبو أوفى بصدقته فقال :" اللهم صلِّ على آل أَبي أَوفَى ". ﴿إِن صلاتك سَكَنٌ لهم﴾ ؛ تسكن إليها نفوسهم، وتطمئن بها قلوبهم، لتحققهم بقبول دعائه عليه الصلاة والسلام. قال القشيري : انتعاشهم بهمَّتِكَ معهم أتم من استقلالهم بأموالهم. هـ. وجمع الصلوات ؛ لتعدد الموعد لهم، وقرأ الأخَوانِ وحفص بالتوحيد. ﴿والله سميعٌ عليم﴾ ؛ أي : سميع باعترافهم عليم بندامتهم.