ثم ذكّرهم بمنة أُخرى، فقال :﴿ويُنزل عليكم من السماء ماء ليُطهركم به﴾ من الحدث والجنابة، ﴿ويُذهب عنكم رجز الشيطان﴾ أي : وسوسته وتخويفه إياهم من العطش، رُوي أنهم نزلوا في كثيب رمل دهس، تسوخ فيه الأقدام على ماء قليل، وناموا فاحتلم أكثرهم، فوسوس إليهم الشيطان، وقال : كيف تُنصرون وأنتم تصلون محدثين مجنبين، وتزعمون أنكم أولياء الله فيكم رسوله ؟ فأشفقوا، فأنزل الله المطر، فمُطروا ليلاً حتى جرى الوادي، فاتخذوا الحياض على عدوته، وسقوا الركاب، واغتسلوا وتوضؤوا، وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو، حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الدهوسة، وهذا معنى قوله :﴿وليَرِبطَ على قلوبكم ويُثبتَ به الأقدام﴾ أي ؛ وليربط على قلوبكم بالوثوق على لطف وزوال ما وسوس إليهم الشيطان، وذهاب الكسل عنها. ﴿ويُثبت به الأقدام﴾ حتى لا تسوخ في الرمل، أو بالربط على القلوب حتى تثبت في مداحض الحرب.
واذكروا أيضاً :﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم﴾ أي : أُثبت أقدامكم حين أُوحي إلى الملائكة أني معكم في نصر المؤمنين وتثبيتهم ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ بتكثير عددهم، أو بالبشارة لهم، أو بمحاربة أعدائهم، على قول من قال : إنهم باشروا القتال. ﴿سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ والجزع حتى لا يثبتوا لقتالكم، يحتمل أن يكون من خطاب الله للملائكة، أو استئناف ؛ إخباراً للمؤمنين عما يفعله بعدوهم عاجلاً وآجلاً. ثم قال للملائكة أو للمؤمنين :﴿فاضربوا فوق الأعناق﴾ أي : أعاليها التي هي المذابح والرؤوس، ﴿واضربوا منهم كل بَنَان﴾ أي : أصابعهم، أي : جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠


الصفحة التالية
Icon