وقيل : لما نَزلت مشى رسول الله ﷺ، ومعه المُهاجرون، حتى وقف على باب مسجد قُباء، فإذا الأنصار جُلوس، فقال :" أَمؤمِنونَ أَنتُم " فَسَكَتُوا، فأعادَها، فقال عمر : إنهم مؤمنون وَأَنا مَعَهم، فقال عليه الصلاة والسلام :" أَتَرضَونَ بالقَضاء " فقالوا : نعم، قال :" أَتَصبِرون على البلاء " قالوا : نعم، قال :" أَتشْكرونَ في الرَّخاء " قالوا : نعم، فقال عليه الصلاة والسلام :" مؤمِنُونَ وَرَبِّ الكَعبَةِ " فَجَلَسَ، ثم قال :" يا مَعشَرَ الأنْصَار، إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أَثنى عَلَيكم، فما الذي تَصنَعُون عند الوضوء وعِندَ الغائط " فقالوا : يا رسول الله، نُتبع الغائط الأحجارَ الثلاثةَ، ثم نُتبعُ الأحجار المَاء. فقال :﴿رِجَالٌ يُحِبُون أن يتَطَّهَروا﴾ ".
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٨
أفمن أَسسَ بُنيانه على تقوى مِنَ الله ورضوان﴾
؛ بإنه قصد به وجه الله، وابتغاء مرضاته، فَحسُنت النية في أوله، ﴿خيرٌ أم من أسس بنيانه على﴾ قصد الرياء والمنافسة، فكأنه بنى على ﴿شفَا﴾ أي : طرف ﴿جُرُفٍ﴾ : حفرة ﴿هَارٍ﴾ أي : واهٍ ضعيف، أشرف على السقوط، أو ساقط، ﴿فانهار به في نار جهنم﴾ أي : طاح في جهنم، وهذا ترشيح للمجاوز، فإنه لما شبهه بالجرف وصفه بالانهيار، الذي هو من شأن الجرف، وقيل : إن
١١٩
ذلك حقيقة، وإنه سقط في جهنم، وإنه لم يزل يظهر الدخان في موضعه إلى قيام الساعة.
والاستفهام للتقرير، والذي أُسس على التقوى والرضوان : هو مسجد قباء، أو المدينة، على ما تقدم، والذي أسس على شفا جرف هار هو مسجد الضرار، وتأسيس البناء على التقوى هو تحسين النية فيه، وقصد وجه الله، وإظهار شرعه، والتأسيس على سفا جرف هار هو فساد النية وقصد الرياء، والتفريق بين المؤمنين، وذلك على وجه الاستعارة والتشبيه البالغ. قاله ابن جزي :﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ إلى ما فيه صلاح ونجاه.


الصفحة التالية
Icon