ثم قال : ولأجل شرف ذكر الله عظمت رتبة الشهادة ؛ لأن المطلوب هو الخاتمة، ومعنى الخاتمة : وداع الدنيا كلها، والقدوم على الله، والقلب مستغرق بالله، منقطع العلائق عن غيره، والحاضرُ صَفّ القتال قد تجرد قلبه لله، وقطع طعمه من حياته، حباً لله وطمعاً في مرضاته، وحالة الشهيد توافق معنى قولك :(لا إله إلا الله)، فإنه لا مقصود له سوى الله. هـ. فما يجده أهل التملق من لذيذ الحلاوة في مناجاتهم، وأهل الشهود في حال غيبتهم في محبوبهم، ليس هو من نعيم الدنيا، بل من نعيم الجنة، قدَّمه الله لأوليائه،
١٢١
وهو معنى جنة المعارف المعجلة ؛ عوضاً لمن باع نفسه لله.
قال بعض العارفين : النفوس ثلاثة : نفس معيبة، لا يقع عليها بيع ولا شراء، وهي نفس الكافر، ونفس تحررت ؛ لا يصح بيعها، وهي نفس الأنبياء والمرسلين، لأنها خُلقت مطهرة من البقايا، ونفس يصح بيعها وشراؤها، وهي نفس المؤمن، فإذا باعها لله، واشتراها الحق تعالى منه، وقع عليها التحرير، وذلك حين تحرر من رقّ الأكوان، وتتخلص من بقايا الأثر.
وقال بعض أهل التحقيق : اشترى الله تعالى أعز الأشياء بأجل الأشياء، وإنما اشترى الأنفس دون القلوب ؛ لأن القلب حر لا يقع عليه البيع ؛ لأنه لله ؛ فلا يباع ولا يشتري، أما سمعت قول رسول الله ﷺ :" القلبُ بيت الرب ". أي : لأنه محل مناجاته، ومعدن معرفته، وخزانة سره، فليس للشيطان عليه من سبيل. قال تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الإسراء : ٦٥]. وأما النفس فإنها مملوكة تباع وتشتري. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٠
قلت :(التائبون) : خبر، أي : هم التائبون، أو مبتدأ حُذف خبره، أي : التائبون في الجنة وإن لم يجاهدوا، لقوله تعالى :﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىا﴾ [النساء : ٩٥]، أو خبره ما بعده، أي : التائبون عن الكفر، على الحقيقة، وهم الجامعون لهذه الخصال.