وانظر الورتجبي ؛ فقد جعل وصف الإيمان يحمل على التوبة، ثم التوبة الصادقة تستدعي العبادات والمجاهدات المؤدية للعبودية، فإذا تمت له نعمة للعبودية اقتضت حمد الله تعالى، فيحمده تعالى معترفاً بعجزه عن القيام بحمده ؛ كما في حديث :" أنتَ كَمَا أثنَيتَ عَلى نَفسِك " ثم الحمد والذكر يقتضي حبس النفس عن مألوفاتها حين عاين حِمَى هلال جماله في سماء الإيقان. ألا ترى كيف قال عليه الصلاة والسلام :" صُومُوا
١٢٣
لِرؤْيِتِهِ " ولا يكون فطره إلا على حلاوة مشاهدته لقوله :" وأفطِرُوا لرُؤْيَتِهِ " فالسائحون طيارون بقلوبهم في أقطار الغيب، وذلك يقتضي الخضوع بنعت الفناء عند مشاهدة العظمة، فيركع شوقاً لجماله، وخضوعاً لجلاله، وعند ركوعه وخضوعه تحيط به أنوار الصفات، فيسجد لكل الجهات ؛ ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه﴾ [البقرة : ١١٥]. وهذا السجود يقتضي الغربة، والغربة تقتضي المشاهدة، والمشاهدةُ تصير شاهدها متصفاً بصفاتها، فمن وقع في نور أسماء الله وصفاته صار متصفاً بوصف الربوبية، متمكناً في العبودية، فيحكم بحكم الله، ويعدل بعدل الله، فيصفهم الله بهذه النعوت، قال :(الآمرون بالمعروف) الداعون الخلق إلى الحق، والناهون لهم عن متابعة الشهواتِ، والحافظون لحدود الله، القائمون في مقام العبودية بعد كشف صفات الربوبية لهم، فلا يتجاوزون عن حد العبودية، وإن ذاقوا طعم حلاوة الربوبية ؛ لأنهم في محل التمكين على أسوة مراتب النبي ﷺ، مع كماله، قال :" أنا العبد لا إله إلا الله ". انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٢


الصفحة التالية
Icon