يقول الحق جل جلاله :﴿ما كان﴾ ينبغي ﴿للنّبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين﴾ الذين ماتوا على الشرك، ﴿ولو كانوا أولي قُرْبَى﴾ أي : من قرابتهم، ﴿من بعد ما تبيّنَ لهم أنهم أصحابُ الجحيم﴾ ؛ لموتهم على الشرك. رُوي أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي طالب، لما حضرته الوفاة :" قُل :" لا إله إلا الله، كلمة أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عند اللَّهِ ". فأبى، فقال :" واللَّهِ لأستَغفِرَنَّ لَكَ مَا لَم أُنهَ عنك " فكان يستغفر له حتى نزلت الآية. وقيل : إن النبي ﷺ استأذن ربه أن يستغفر لأنه، فنزلت، وقيل : إن المسلمين أرادوا أن يستغفروا لآبائهم، فنزلت، وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم ؛ إذ لم يتحقق أنهم أصحاب الجحيم، فإنه طلب توفيقهم للإيمان.
ثم رفع إيهام النقض باستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر، فقال :﴿وما كان
١٢٤
استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه﴾
، وقيل : إنه ﷺ قال في شأن عمه :" لأ ستغفرن لك، كما استغفر إبراهيم لأبيه " فنزلت :﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه﴾. والموعدة التي وعدها إياه قوله :﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ [الممتحنة : ٤]. أي : لأطلبن المغفرة لك بالتوفيق للإيمان، فإنه يجب ما قبله.
والمعنى : لا حجة لكم في استغفار إبراهيم لأبيه، فإن ذلك لم يكن إلا لوعد تقدم بقوله :﴿لأَستَغْفِرَنَّ لَكَ...﴾ الخ. ﴿فلما تبيّنَ له أنه عدوٌ لله﴾ ؛ بأن مات على الكفر، أو أوحى إليه بأنه لن يؤمن، ﴿تبرأ منه﴾ ؛ بأن قطع استغفاره له، ﴿وإن إبراهيم لأواهٌ﴾ أي : لكثير التأوه، وهو كناية عن فرط ترحمه، أو كثير الدعاء، أو مؤمن، أو فقيه، أو كثير الذكر لله، أو كثير التأوه من خوف الله، ﴿حليمٌ﴾ ؛ صبور على الأذى، والجملة : لبيان ما حمله على الاستغفار.


الصفحة التالية
Icon