الإشارة : الشفاعة لا تكون فيمن تحقق غضب الله عليه، فإن ذلك من سوء الأدب، كالدعاء بالمحال، وأما من لم يتحقق غضبه عليه فالشفاعة فيه مرغب فيها. قال عليه الصلاة والسلام :" اشفَعُوا تُؤجَروا " والاستغفار شفاعة. وقد ورد في الخبر :" مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمساً وعِشرين مرة كتب من الأبدال ". والشفقة مطلوبة، ما لم يظهر مراد الله من خلقه، فإن برز من عنصر القدرة شيء من القهريات، فالتسليم لمراده تعالى أحسن، فالله ارحم بعباده منك أيها الشفيق، وسيأتي عند قوله تعالى :﴿يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ﴾ [هود : ٧٦] وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٤
يقول الحق جل جلاله :﴿وما كان الله ليضل قوماً﴾ ؛ أي : يسميهم ضلالاً، ويؤاخذهم مؤاخذتهم، ﴿بعد إذ هداهم﴾ للإسلام، ﴿حتى يُبين لهم ما يتقونَ﴾ أي : حتى
١٢٥
يُبين لهم خطر ما يجب اتقاؤه، فإن خالفوا بعد البيان، أضلهم وآخذهم إن لم يتوبوا. قال البيضاوي : وكأنه بيان عذر الرسول في قوله لعمه :" لأستغفرن لك، ولمن استغفر لأسلافه المشركين قبل المنع ". وقيل : إنه في قوم مضوا على الأمر الأول في القبلة والخمر، ولم يعلموا بالنسخ والمنع. وفي الجملة : دليل على أن الغافل غير مكلف. هـ. وقال ابن جزي : نزلت في قوم من المسلمين استغفروا للمشركين من غير إذن، فخافوا على أنفسهم من ذلك، فنزلت الآية تأنيساً لهم، أي : ما كان الله ليؤاخذهم بذلك قبل أن يُبَيَّن لكم المنع من ذلك. هـ. ﴿إن الله بكل شيءٍ عليمٌ﴾ ؛ فيعلم أمرهم قبل النهي وبعده.
﴿إن الله له ملكُ السمواتِ والأرضِ﴾، يتصرف فيهما وفي ساكنهما كيف يشاء، ﴿يُحيي﴾ من يريد إبرازه لعالم الشهادة، ﴿ويميت﴾ من يريد رده لعالم الغيب، أو يحيي قلوباً بالإيمان والمعرفة، ويميت قلوباً بالكفر والغفلة. ﴿وما لكم من دون الله من وليِّ ولا نصير﴾.