قال ابن جزي : ويحتمل أن يريد به صدق اللسان ؛ إذ كان هؤلاء قد صدقوا ولم يعتذروا بالكذب، فنفعهم الله بذلك، ويحتمل أن يريد أعم من صدق اللسان ؛ وهو الصدق في الأقوال والأعمال والمقاصد والعزائم، والمراد بالصادقين : المهاجرين، لقوله في الحشر :﴿للِفُقَرآءَ المُهَجِرِينَ﴾.. إلى قوله :﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر : ٨]. وقد احتج بها أبو بكر الصديق على الأنصار يوم السقيفة، فقال :(نحن الصادقون، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا) ؛ أي : تابعين لنا. هـ. زاد السهيلي : ولمَّا استحق الصادقون أن تكون
١٢٨
الخلافة فيهم، استحق الصِّدِّيقُ أن تكون الخلافة له، ما دام حياً ؛ إذ كان صديقاً. هـ.
الإشارة : الصدق سيف حازم، ما وضع على شيء إلا قطعه، ويكون في الأقوال، وهو صيانتها من الكذب، ولو ادى إلى التلف. وفي الأفعال، وهو صيانتها من الرياء وطلب العوض. وفي الأحوال، وهو تصفيتها من قصد فاسد، كطلب الشهرة، أو إدراك مقام من المقامات، أو ظهور كرامات، أو غير ذلك من المقاصد الدنية. قال القشيري : الصادقون هم السابقون الأولون، كأبي بكر وعمر وغيرهما، والصدق : استواء السِّرِّ والعلانية، وهو عزيز، وكما يكون في الأقوال يكون في الأحوال، وهو أتَمُّ. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٨
١١٣
قلت :(ولا يرغبوا) : منصوب بالعطف، أو مجزوم بالنهي، والوادي : أصله : فاعل، من وَدِيَ، إذا سأل، وهو منقوص، وهو في اللغة : كل متفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل.
يقول الحق جل جلاله :﴿ما كان﴾ يصح ﴿لأهل المدينةِ﴾، ولا لمن ﴿حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ في غزوة ولا سرية ولا غيرهما، وهي نهي بصيغة النفي ؛ للمبالغة، ﴿لا﴾ ينبغي لهم أن ﴿يَرْغَبُوا بأنفسهم عن نفسِه﴾ ؛ بأن يصونوها من اقتحام المشقات والمتاعب التي تحملها نبي الله ﷺ، حيث قعدوا عنه، ولم يكابدوا معه ما كابده من الأهوال.


الصفحة التالية
Icon