قوله : وأما الذين يتفقهون... الخ، الداعون إلى الله على الحقيقة هم العارفون بالله، وهم أصحاب الشهود، الذين وصفهم قبل، وأما الفقهاء في الدِّين فإنما يدعون إلى أحكام الله، وتعلم دينه دون معرفة ذاته وصفاته ؛ فدعواهم ضعيفة التأثير، فلا ينهض على أيديهم ما ينهض على أيدي العارفين.
وقال الورتجبي، في قوله تعالى :﴿ليتفقهوا في الدين﴾ : قال المرتعش : السياحة والأسفار على ضربين : سياحة لتعلّم احكام الدين وأساس الشريعة، وسياحة لآداب العبودية ورياضة الأنفس، فمن رجع عن سياحة الأحكام قام بلسانه يدعو الخلق إلى ربه، ومن رجع من سياحة الأدب والرياضة قام في الخلق يهديهم لأخلاقه وشمائله. وسياحة هي سياحة الحق، وهي رؤية أهل الحق والتأدب بآدابهم، فهذا بركته تعم البلاد والعباد. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٠
يقول الحق جل جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾، أي : جاهدوا الأقرب فالأقرب بالتدريج، كما أمر رسوله ﷺ بإنذار عشيرته الأقربين، فإن الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح. وقيل : هم يهود حوالي المدينة، كقريظة والنضير وخيبر، وقيل : الروم بالشام ؛ وهو قريب من المدينة، وكانت أرض العرب قد عمها الإسلام، وكانت العراق حينئذٍ بعيدة. ﴿وليجدوا فيكم غِلْظَةً﴾ ؛ شدة وصبراً على قتالهم، ﴿واعلموا أن الله مع المتقين﴾ بالإعانة والنصر والحراسة.
الإشارة : ينبغي لأهل الوعظ والتذكير أن يبدأوا بالأقرب فالأقرب على التدريج ؛ قال الرفاعي رضي الله عنه : إذا أراد الله أن يرقي عبداً إلى مقامات الرجال ؛ كلفه بأمر نفسه أولاً، فإذا أدب نفسه واستقامت معه، كلفه بأهله ؛ فإن أحسن إليهم وساسهم، كلفه بأهل بلده، فإن أحسن إليهم وساسهم، كلفه جهةً من البلاد، فإن هو نصحهم، وساسهم،
١٣٢


الصفحة التالية
Icon