مثل هذا يزيده القرآن إيقاناً، ويستبشر قلبه عند سماعه، وأما من كان مريض القلب بحب الدنيا، مَغْمُوراً بالشكوى والأوهام والخواطر ؛ فلا يزيده القرآن إلا بُعداً ؛ حيث لم يتدبر فيه، ولم يعمل بمقتضاه، وإذا حضر مثلُ هذا الغافل مجلسَ وعظ أو تذكير أو ذكر لم يطق الجلوس، بل نظر : هل يراه من أحد ؟ ثم انصرف، صرف الله قلبه عن حضرة قدسه ؛ لعدم فهمه عن ربه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٣
قلت :" عزيز " : صفة " الرسول "، و " عنتم " : فاعله، و " ما " : مصدرية، أي : عزيز
١٣٤
عليه عَنَتُكُم، أو عزيز : خبر مقدم، و " ما عنتم " مبتدأ، والعنت : المشقة والتعب.
يقول الحق جل جلاله : مخاطباً العرب، أو قريش، أو جميع بني آدم :﴿لقد جاءكم رسولٌ من أنفسِكم﴾ ؛ محمدٌ ﷺ، أي : من قبيلتكم، بحيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته، وتفهمون خطابه، أو من جنسكم من البشر. وقرأ ابن نشيط : بفتح الفاء، أي : من اشرافكم. قال ﷺ :" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةًَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، واصْطَفَى قُرَيْشاً مَنْ كِنَانَةَ، واصْطَفَى بَنِي هَاشِم مِنْ قُريْشٍ، واصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم، فأنا مُصْطَََفى من مُصْطَفَيْن " ﴿عزيزٌ عليه﴾، أي : شديد شاق عليه ﴿ما عَنِتُّمْ﴾ أي : عنتكم ومشقتكم ولقاؤكم المكروه في دينكم ودنياكم. ﴿حريصٌ عليكم﴾ أي : على إيمانكم وسعادتكم وصلاح شأنكم، ﴿بالمؤمنين﴾ منكم ومن غيركم ﴿رؤوف رحيم﴾ أي : شفيق بهم، قدَّم الأبلغ منهما ؛ لأن الرأفة شدة الرحمة ؛ للفاصلة. وسمى رسوله هنا باسمين من أسمائه تعالى.


الصفحة التالية
Icon