يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المجتبى المختار ﴿تلك﴾ الآيات التي تنزل عليك هي ﴿آياتُ الكتاب الحكيم﴾، الذي اشتمل على الحكم الباهرة والعبر الظاهرة، أو المحكم الذي لم ينسخ منه شيء بكتاب آخر بعده، أو كلام حكيم. ﴿أَكَانَ للناس﴾ أي : كفار قريش وغيرهم ﴿عَجَباً أن أوحينا إلى رجل منهم﴾ ولم يكن من عظمائهم ؟ والاستفهام للإنكار، والرد على من استبعد النبوة، أو تعجب من أن يبعث الله رجلاً من وسط الناس.
١٣٧
قيل : كانوا يقولون : العجب أن الله تعالى لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب. وهذا من فرط حماقتهم، وقصور نظرهم على الأمور العاجلة، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة.
هذا.. وأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن يقْصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه، إلا في المال، وخفةُ الحال أعون شيء في هذا الباب، ولذلك كان أكثر الأنبياء قبله كذلك ـ أي خفافاً من المال ـ وقيل : تعجبوا من أنه بشراً رسولاً، كما سبق في سورة الأنعام. قاله البيضاوي.
ثم فسَّر الوحي المذكور فقال :﴿أن أنذر الناس﴾ أي : أوحينا إليه بأن أنذر الناس أي : خوفهم من غضب ربهم، ﴿وبشّر الذين آمنوا﴾، عمم الإنذار، ليس من أحد إلا وفيه ما ينبغي أن ينذر منه، وخصص البشارة إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به، قاله البيضاوي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٧
أي : بشر المؤمنون بأنَّ ﴿لهم قَدَمَ صدْقٍ عند ربهم﴾ أي : سابقة ومنزلة رفيعة، سميت قدَماً لأن السبق يكون بها، كما سميت النعمة يداً لأنها تُعْطى باليد، وأضيفت إلى الصدق لتحققها وللتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية. قال ابن جزي : أي : عمل صالح قدموه، وقال ابن عباس : السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ. هـ. وقال ابن عطية : والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول : صدقٍ ورجل سوْءٍ. هـ.


الصفحة التالية
Icon