﴿قال الكافرون إنَّ هذا﴾ الكتاب، أو ما جاء به الرسول، ﴿لسحر مبين﴾ أي : بيَّن ظاهر، وقرأ ابن كثير والكوفيون :﴿لساحر﴾، على أن الإشارة إلى الرسول، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول أموراً خارقة للعادة، معجزة لهم عن المعارضة، وكلامهم هذا يحتمل أن يكون تفسيراً لما ذكره قبلُ من تعجبهم، أويكون مستأنفاً.
الإشارة : تعجبُ الناس من أهل الخصوصية سُنة ماضية، فكما خفي عن أعين الكفار سر النبوة، خفي عن أعين الخفافيش سر الخصوصية، فلا يطلع عليها إلا من سبق له قدم صدق عند ربه، فسبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ؛ فلم يدل عليها إلا من أراد أن يوصله إلى مشاهدة عظمة الربوبية.
قال في لطائف المنن : فأولياء الله أهل كهف الإيواء، فقليل من يعرفهم، وسمعت الشيخ أبا العباس رضي الله عنه يقول : معرفة الولي أصعب من معرفة الله، فإنَّ الله تعالى معروف بكماله وجماله، ومتى تعرف مخلوقاً مثلك يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب ؟، وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته، وأشهدك وجود خصوصيته. هـ.
١٣٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٧
يقول الحق جل جلاله :﴿إن ربكم﴾ الذي يستحق العبادة وحده هو ﴿اللهُ﴾ الذي أظهر الكائنات من العدم إلى الوجود، وبه رد على من أنكر النبوة، كأنه يقول : إنما أدعوكم إلى عبادة الله الذي خلق الأشياء، فكيف تنكرون ذلك وهو الحق المبين ؟ ثم فصَّل ذلك فقال :﴿الذي خلق السماوات والأرض﴾ التي هي أصول الكائنات، ﴿في﴾ مقدار ﴿ستةِ أيام﴾ من أيام الدنيا، ولم يكن حينئذٍ ليل ولا نهار، والجمهور : أن ابتداء الخلق يوم الأحد، وفي حديث مسلم : يوم السبت، وأنه خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك. ﴿ثم استوى على العرش﴾ استواء يليق به، كاستواء الملك على سريره ليُدير أمر مملكته، ولذلك رتب عليه :﴿يُدَبِّر الأمرَ﴾، وقد تقدم الكلام عليه في الأعراف.