قال البيضاوي : يُدبر أمر الكائنات على ما تقتضيه حكمته، وسبقت به كلمته، بتحريك أفلاكها، وتهيئ أسبابها، والتدبير : النظر في عواقب الأمور لتجيء محمودة العاقبة. هـ.
﴿ما من شفيع﴾ تُقبل شفاعته ﴿إلا من بعد إِذْنِه﴾ له في الشفاعة، وهو تقرير لعظمته وعزة جلاله، ورد على من يزعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له، كالأنبياء والعلماء الأتقياء. ﴿ذلكم الله﴾ أي : الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية هو ﴿الله ربكم﴾ لا غير ؛ إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك، ﴿فاعبدوه﴾ : أفردوه بالعبادة ﴿أفلا تذكرون﴾ أي : تتفكرون أدنى تفكر، فتعرفون أنه المستحق للربوبية والعبادة، لا ما تعبدون من الأصنام.
﴿إليه مرجعكم﴾ بالبعث ﴿جميعاً﴾ فيجازيكم على أعمالكم، ويعاقبكم على شرككم، ﴿وعد الله حقاً﴾. مصدر مؤكد لنفسه ؛ لأن قوله :﴿إليه مرجعكم﴾ وعدٌ من الله. ﴿إنه يبدأ الخلق﴾ بإظهاره في الدنيا ﴿ثم يُعيده﴾ بعد إهلاكه في الآخرة. ﴿ليجزي
١٣٩
الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾
، تعليل للعودة ؛ وهي البعثة، وقوله :﴿بالقسط﴾ أي : بالعدل ؛ بأن يعدل في جزائهم، فلا يظلم مثقال ذرة، أو بعدلهم وقيامهم على العمل في أمورهم، أو بإيمانهم ؛ لأنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلم عظيم. وهو الأوجه لمقابلة قوله :﴿والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم﴾ بسبب كفرهم وشركهم ـ الذي هو الظلم العظيم ـ لكنه غيَّر النظم للمبالغة في استحقاقهم العذاب والتنْبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، وأما العقاب فإنما هو الواقع بالعرض، وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه، ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة، فإنه إنما ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشوم أفعالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٩


الصفحة التالية
Icon