ثم بيَّن وجه الاعتبار فقال :﴿إن في اختلاف الليل والنهار﴾ أي : تعاقبهما بالذهاب والمجيء، أو بالزيادة والنقصان، ﴿وما خلق اللهُ في السموات والأرض﴾ من أنواع الكائنات وضروب المخلوقات، ﴿لآياتٍ﴾ دالة على وجود الصانع ووحدته، وكمال علمه وقدرته، ﴿لقوم يتقون﴾ الله، ويخشون العواقب، فإن ذلك يحملهم على التفكر والتدبر، بخلاف المنهمكين في الغفلة والمعاصي، الذين أشار إليهم بقوله :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤١
إن الذين لا يرجون لقاءَنا﴾
أي : لا يتوقعونه، أو : لا يخافون بأسه لإنكارهم البعث، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها، ﴿ورَضُوا بالحياة الدنيا﴾ : قنعوا بها بدلاً من الآخرة لغفلتهم عنها، ﴿واطمأنوا بها﴾ أي : سكنوا إليها مقْصرين هممهم على لذائذها وزخارفها، وسكنوا فيها سكون من يظن أنه لا ينزعج عنها. ﴿والذين هم عن آياتنا﴾ المتقدمة الدالة على كمال قدرتنا، ﴿غافلون﴾ : لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون ؛ لانهماكهم في الغفلة والذنوب.
قال البيضاوي : والعطف إما لتغاير الوصفين، والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأساً، والانهماك في الشهوات، بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلاً، وإما لتغاير الفريقين، والمراد بالأولين : من أنكر البعث ولم يُرد إلاّ الحياة الدنيا، وبالآخرين من ألهاه حبُ العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له. هـ.
﴿أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾ أي : بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي. قال ابن عطية : وفي هذه اللفظة رد على الجبرية، ونص على تعلق العقاب بالتكسب. هـ.


الصفحة التالية
Icon