يقول الحق جل جلاله :﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يَهْدِيهمْ ربُّهم﴾ أي : يسددهم ﴿بإيمانهم﴾ ؛ بسبب إيمانهم إلى الاستقامة والنظر، أوْ إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أوْ إلى إدراك الحقائق العرفانية، كما قال ـ عليه الصلاة والسلام " مَنْ عَمِلَ بما علِم أَوْرَثه اللهُ علْمَ ما لَمْ يَعْلَمْ " أو لِمَا يشتهونه في الجنة، ﴿تجري من تحتهم الأنهارُ﴾ الأربعة، ﴿في جنات النعيم﴾، ﴿دَعْواهم فيها﴾ أي : دعاؤهم فيها :﴿سبحانك اللهم﴾ أي : اللهم إنا نسبحك تسْبيحاً. ورُوي : أن هذه الكلمة هي ثمر أهل الجنة، فإذا اشتهى احدهم شيئاً قال : سبحانك اللهم، فينزل بين يديه. رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة.
﴿وتحيتُهم فيها سلام﴾ أي : ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحيّة الملائكة إياهم، أو تسليم الله تعالى عليهم فيها سلام، ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ أي : وخاتمة دعائهم في كل موطن حمده تعالى وشكره. والمعنى : أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمته وكبرياءه مجَّدوه ونعتوه بنعوت الجلال، وقدَّسُوه عند مشاهدته عن كل تماثيل وخيال، فحيَّاهم بسلام من عنده، وعندما منحهم سلامه واحلَّ عليهم رضوانه، وأدام لهم كرامته وجواره، وأراهم وجهه، حمدوه بما حمد به نفسه، فكانت بدايتهم بالتنزيه والتعظيم، وخاتمة دعائهم في كل موطن حمده وشكره على ما مكنهم فيه، من رؤية وجهه الكريم، ودوام النعيم المقيم، وسمي دعاء لأنه يستدعي المزيد من فضله. قاله المحشي.
الإشارة : إن الذين استكملوا الإيمان، وأخلصوا الأعمال، يهديهم ربهم إلى من يوصلهم إلى جنة حضرته ببركة إيمانهم، تجري من تحت أفكارهم أنهار العلوم، في جنات
١٤٣