مشاهدة طلعته، والتنعم بأنوار معرفته، فإذا عاينوا ذلك أدهشتهم الأنوار، فبادروا إلى التنزيه والتقديس، فيجيبهم الحق تعالى بإقباله عليهم بأنوار وجهه، وأسرار ذاته، فيحمدونه ويشكرونه على ما أولاهم من سوابغ نعمته، والسكون في جوار حضرته، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر، آمين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٣
قلت :(استعجالهم) : نصب على المصدر، أي : استعجالاً مثل استعجالهم بالخير. قال البيضاوي : وضع موضع تعجيله لهم بالخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم في الخير، حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم. هـ. (فَنَذَرَ) : عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية، كأنه قيل : ولكن لا نعجل ولا نقضي بل نمهلهم فنذر.. الخ.
يقول الحق جل جلاله :﴿ولو يعجلُ الله الناس الشرَّ﴾ حيث يطلبونه، كقولهم :﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال : ٣٢] ﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ [الأعراف : ٧٧] ﴿استعجالهم بالخير﴾ ؛ كما يعجل الله لهم الخير حين يسألونه ﴿لقُضِيَ إليهم أجلُهُم﴾ أي : لأميتوا وأهلكوا من ساعتهم، وقرأ ابن عباس ويعقوب :" لَقَضى " بالبناء للفاعل، أي : لقضى الله إليهم أجلهم، ولكن من حلمه الله تعالى وكرمه يُمهلهم إلى تمام أجلهم، ﴿فَنذَرُ الذين لا يرجون لقاءنا﴾ استدراجاً وإمهالاً ﴿في طغيانهم يعمهون﴾ : يتحيرون. والعمه : الخبط في الضلال، وهذا التفسير أليق بمناسبة الكلام، وقيل : نزلت في دعاء الإنسان على نفسه وماله بالشر، أي : لو عجل اللهُ للناس الشر كما يحبون تعجيل الخير لهلكوا سريعاً، فهو كقوله :﴿وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ [الإسراء : ١١] ويكون قوله :﴿فنذر...﴾ الخ استئنافاً. والله تعالى أعلم.