الإشارة : من حلمه تعالى وسعة جوده أنه لا يعامل عبده بما يستحقه من العقاب، ولا يعاجله بما يطلبه إن لم يكن فيه سداد وصواب، حُكي أن رجلاً قال لبعض الأنبياء ـ عليهم السلام ـ : قل لربي : كم أعصيه وأخالفه ولم يعاقبني، فأوحى الله إلى ذلك النبي : ليعلم أني أنا وأنت أنت. هـ. بل من عظيم كرمه تعالى أنه قد يعامل السائرين بعكس ما يستحقونه في جانب المخالفة ؛ فقد تهوى بهم أنفسهم إلى مقام الخفض فيرتفعون، وإلى مقام البُعد فيقتربون، وهذا في قوم سبقت لهم العناية، فلم تضرهم الجناية، وحفت بهم الرعاية، فلم تستهوهم الغواية، إذا صدرت منهم المخالفة ندموا وانكسروا. والغالب فيمن
١٤٤
كانت تحت جناح الأولياء الكبار أن يسلك به هذا المسلك العظيم وما ذلك على الله بعزيز.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
قلت :(لجنبه) : متعلق بحال محذوفة، أي : مضطجعاً لجنبه، و(كأن) مخففة.
يقول الحق جل جلاله :﴿وإذا مسَّ الإنسان الضُّرُّ﴾ في بدنه أو ماله أو أحبابه، ﴿دعانا﴾ لإزالته مخلصاً فيه، وتضرع إلينا حال كونه مضطجعاً ﴿لجَنْبِه أو قاعداً أو قائماً﴾، وفائدة الترديد تقسم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار، ﴿فلما كشفنا عنه ضُرَّه مرَّ﴾ أي : مضى على طريقه واستمر على كفره، ولم يشكر الله على دفعه، أو مرَّ عن موقف الدعاء، ولم يرجع إليه. ﴿كأن لم يَدْعُنَا﴾ أي : كأنه لم يدعنا ﴿إلى﴾ كشف ﴿ضُرّ مسَّهُ﴾ قط :﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ [الزمر : ٨] ﴿كذلك زُيّنَ للمسرفين﴾ أي : مثل هذا التزيين زين للمسرفين ﴿ما كانوا يعلمون﴾ من الانهماك في الشهوات، والإعراض عن شكر المنعم عند المسرات وذهاب العاهات.
وفي الآية تهديد لمن تشبه بهذه الحالة، بل الواجب على العبد دوام التجائه إلى ربه، والشكر له عند ظهور إجابته وإسدال عافيته.


الصفحة التالية
Icon