ثم قال تعالى :﴿هو الذي يُسيركم﴾ إليه في بر الشريعة، وبحر الحقيقة، فيقع السير بينهما، فإذا كانت الشريعة أقوى نقص له منها وزاد في حقيقته، وإذا قويت حقيقته نقص له منها إلى شريعته، هكذا حتى تعتدلا، فتكمل تربيته، فإذا ركبوا سفن الأفكار وساروا بأرواحهم في تيار البحار، فخاضوا بأفكارهم بحار التوحيد وأسرار التفريد، وجرت أفكارهم في عالم الملكوت بريح طيبة ـ وهي ريح السلوك ـ جاءتها ريح عاصف، وهي الواردات الإلهية، تأتي من حضرة القهار، لا تصادم شيئاً إلا دمغته، فإذا خافوا على نفوسهم صدمات الجذب او المحْو ؛ دََعوا الله مخلصين له الدين، فلما ردهم إلى السلوك اشتغلوا برياضة نفوسهم بالمجاهدة والمكابدة، فبغوا عليها كما بغت عليهم في أيام غفلتهم. وبالله التوفيق.
١٥٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
يقول الحق جل جلاله :﴿إنما مَثَلُ الحياةِ الدنيا﴾ في سرعة تقضيها، وذهاب نعيمها بعد إقبالها، واغترار الناس بها، ﴿كماء أنزلناه من السماءِ فاختلط﴾ أي : اشتبك ﴿به نباتُ الأرضِ﴾ حتى اختلط بعضه ببعض، ﴿مما يأكلُ الناسُ والأنعام﴾ من الزرع والبقول والحشيش، ﴿حتى إذا أخذت الأرضُ زخرفها﴾ أي : زينتها وبهجتها بكمال نباتها، ﴿وازّينتْ﴾ أي : تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة ؛ كعروس أخذت من ألوان الثياب والحلي فتزينت بها.