﴿وظن اهلُها﴾ أي : أهل الأرض ﴿أنهم قادِرُون عليها﴾ متمكنون من حصدها ورفع غلتها، ﴿أتاها أمرُنا﴾ أي : بعض الجوائح، كالريح والمطر، ﴿ليلاً أو نهار فجعلناها﴾ أي : زرعها ﴿حصيداً﴾ : شبيهاً بما حصد من أصله، ﴿كأن لم تَغنَ﴾ : كأن لم تُقم ﴿بالأمس﴾، أو كأن يغن زرعها، أي : لم ينبت. والمراد : تشبيه الدنيا في سرعة انقضائها بنبات اخضرَّ ثم صار هشيماً، ﴿كذلك نُفَصِّلُ الآيات لقوم يتفكرون﴾ ويتدبرون عواقب الأموار، فيعلمون أن الدنيا سريعة الزوال، وشيكة التغير والانتقال، فيزهدون فيها ويجعلونها مزرعة لدار السلام، التي هي دار البقاء.
وهي التي دعا إليها عبادة بقوله :﴿والله يدعو إلى الدار السلام﴾ أي : السلامة من الفناء وجميع الآفات، أو دار الله الذي هو السلام. وتخصيص هذا الاسم للتنبيه على ذلك، أو دار يُسلم اللهُ والملائكةُ فيها على من يدخلها، وهي الجنة، ﴿ويهدي من يشاء﴾ توْفِيقَه ﴿إلى صراط مستقيم﴾، التي توصل إليها وإلى رضوانه فيها، وهو الإسلام والتدرُّع بلباس التقوى، وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة، وأن المُصِرّ على الضلالة لم يرد الله رشده. قاله البيضاوي.
الإشارة : ما ذكر الحق تعالى في هذا الآية هو مثال لمن صرف همته إلى الدنيا، وأتعب نفسه في جمعها، فبنى وشيد وزخرف وغرس، فلما أشرف على التمتع بذلك اختطفته المنية، فلا ما كان أمَّل أدرك، ولا إلى ما فاته من العمل الصالح رجع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٣
وفي بعض خطبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال :" أما رأيتم المؤاخَذين على الغرة، المزعَجين بعد الطمأنينة، الذين أقاموا على الشبهات، وجنحوا إلى الشهوات، حتى أتتهم
١٥٣


الصفحة التالية
Icon