يقول الحق جل جلاله :﴿للذين أحسنوا﴾ فيما بينهم وبين ربهم بتوحيده وعبادته، وفيما بينهم وبين عباده بكف أذاهم وحمل جفاهم، لهم ﴿الحسنى﴾ أي : المثوبة الحسنى، وهي الجنة وزيادة، وهي النظر إلى وجهه الكريم، أو الحسنى : ما يثيب به على العمل، والزيادة : ما يزيد على ما يستحق العبد تفضلاً كقوله ﴿وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ﴾ [النساء : ١٧٣]، أو الحسنى : مثل حسناتهم، والزيادة : التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة أو أكثر، ﴿ولا يرهقُ وجوهَهم :﴾ لا يغشاها ﴿قَتَرٌ﴾ : غبرة فيها سواد تغبر الوجه ﴿ولا ذِلَّةٌ﴾ أي : هوان، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار، أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من خزي وسوء حال، ﴿أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ : دائمون، لا زوال لهم عنها، ولا انقراض لنعيمها، بخلاف الدنيا وزخرفها فقد تقدم مثالها.
الإشارة : للذين أحسنوا بالانقطاع إلى الله والزهد فيما سواه الحسنى، وهي المعرفة، وزيادة، وهي الترقي في المقامات، والعروج في سماء المشاهدات، والازدياد من الأسرار والمكاشفات، وترادف المناجاة والمكالمات ولا يغشى وجوههم قتر ولا ذلة، بل وجوههم بنور البقاء مستبشرة، وهم خالدون في نعيم الفكرة والنظرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٤
١٥٥
قلت :(والذين) : مبتدأ على حذف مضاف، أي : جزاء الذين كسبوا، (وجزاء) : خبر، أو على تقدير " لهم " أو معطوف على (للذين أحسنوا) على مذهب من يُجوز : في الدار زيد والحجرةِ عمرو. أو (جزاء) : مبتدأ، و(بمثلها) : خبر، والجملة حينئذٍ كبرى. ومن قرأ (قِطعَاً) بفتح الطاء فجمع قطيع، وهو مفعول ثان، و(مظلماً) : حال من الليل، ومن قرأ (قِطعَاً) بالسكون فمصدر، و(مظلماً) نعت له، أو حال منه أو من الليل.


الصفحة التالية
Icon