يقول الحق جل جلاله :﴿والذين كسَبوا السيئات﴾ كالكفر والشرك، وما يتبعهما من المعاصي، جزاؤهم ﴿سيئة بمثلها﴾ لا يزاد عليها، فلا تضاعف سيئاتهم، عدلاً منه سبحانه، ﴿وترهقُهم ذِلةٌ﴾ أي : هوان عند حشرهم للنار، ﴿ما لهم من الله من عاصم﴾ يعصمهم من عذاب الله وغضبه، ﴿كأنما أُغشيَت وجوهُهُم قِطعَاً من الليل مظلماً﴾، أي : يحشرون مسودة وجوههم، كأنما أُكْسِيَتْ وجوههم قطْعاً كثيرة من الليل المظلم، أو قطْعاً مظلماً من الليل ﴿أولئك أصحابُ النار هم فيها خالدون﴾.
قال البيضاوي : هذا مما يحتج به الوعيدية ـ يعني المعتزلة ـ في تخليد العصاة. والجواب : أن الآية في الكفار ؛ لاشتمال السيئات على الكفر والشرك، ولأن الذين أحسنوا يتناول الكثير من أهل القبلة، فلا يتناوله قسيمُه. هـ.
الإشارة : جزاء المعاصي البُعد والهوان، وتسْويد وجوه القلوب والأبدان، كما أن جزاء الطاعة التقريب والإبرار، وتنوير وجوه القلوب والأسرار والإحسان، وفي ذلك يقول ابن النحوي في منفرجته :
وَمَعَاصِي اللَّهِ سَماجَتُها
تَزَدَانُ لِذي الخُلْقِ السَّمِج
وَلِطَاعَتِه وَصَبَاحَتِهَا
أنْوارُ صَبَاحٍ مُنْبَلِجِ
قيل لبعض الصالحين : ما بال المجتهدين من أحسن الناس خلَقاً ؟ قال : لأنهم خلَوْا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. هـ. نعم، إن صحب المعصية توبةٌ وانكسارٌ، وصحب الطاعة عز واستكبارُ، انقلبت حقيقتهما، فقد تُقرب المعصية وتبعد الطاعة. وفي الحكم :" معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، وقال أيضاً :" وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٥
قلت :(مكانكم) : مفعول، أي : الزموا مكانكم، و(أنتم) تأكيد للضمير المنتقل إليه، و(شركاؤكم) عطف عليه.