يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿يوم نحشرهم جميعاً﴾ يعني فريق الحسنى، وفريق النار، ﴿ثم نقول للذين أشركوا﴾ الزموا ﴿مكانَكم﴾ من الخزي والهوان، حتى تنظروا ما يُفعل بكم، ﴿أنتم شركاؤُكم﴾ معكم، تمثيل حينئذ معهم، ﴿فزَيَّلنا﴾ : فرَّقنا ﴿بينهم﴾ وقطعنا الوُصل التي كانت بينهم، ﴿وقال شركاؤهم﴾، ينطقها الله تعالى تكذيباً لهم فتقول :﴿ما كنتم إيانا تعبدون﴾، وإنما عبدتم في الحقيقة أهواؤكم ؛ لأنها الأمارة لكم بالإشراك. وقيل : المراد بالشركاء : الملائكة والمسيح.
﴿فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم﴾، فإنه العالم بحقيقة الحال، ﴿إن كنا﴾ أي : إنه الأمر والشأن كنا ﴿عن عبادتكم لغافلين﴾، لم نأمركم بها ولم نرضها. قال ابن عطية :
١٥٦
وظاهرة هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى، بدليل القول لهم :﴿مكانكم أنتم وشركاؤكم﴾. ودون فرعون، ومن عُبد من الجن، بدليل قوله :﴿إن كنا عن عبادتكم لغافلين﴾، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم. هـ.
﴿هنالك تَبْلُو﴾ : في ذلك المقام تبلو ﴿كلُّ نفس ما أسلفتْ﴾ أي : تختبر ما قدمت من الأعمال خيراً أو شراً ؛ فتعاين نفعه وضرره، وقرأ الأخوان :" تتلوا " من التلاوة، أي : تقرأه في صحائف أعمالها، أو من التلوِ، أي : تتبع عملها فتقودها إلى الجنة أو النار. والمعنى : تفعل بها فعل المختبر لحالها المعرّف لسعادتها وشقاوتها، فتعرف ما أسلفت من أعمالها، ﴿ورُدُّوا إلى النار﴾ : إلى جزائه إياها بما أسلفوا، ﴿مولاهُمُ الحقّ﴾ أي : متولِّي أمورهم على الحقيقة، لا ما اتخذوه مَولى بافترائهم، ﴿وضلَّ﴾ أي : ضاع وغاب ﴿عنهم ما كانوا يفترون﴾ من أن آلهتهم تشفع لهم، أو كانوا يدّعون أنها آلهة.


الصفحة التالية
Icon