وقل لهم أيضاً :﴿ومن يُدبَّرُ الأَمرَ﴾ أي : ومن يلي تدبير العالم، من عرشه إلى فرشه ؟ وهو تعميم بعد تخصيص، ﴿فسيقولون الله﴾، لا محيص لهم عن الإقرار بسواه ؛ إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك ؛ لفرط وضوحُه. ﴿فقل أفلا تتقون﴾ عقاب الله وغضبه ؟ بسبب إشراككم معه ما لا يشاركه في شيء من ذلك، ﴿فذلكم الله ربكم الحقُّ﴾ أي : المتولي لهذه الأمور هو ربكم، الذي يستحق أن تعبدوه، الثابت ربوبيته، لأنه هو الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم، دون من تعبدوه، الثابت ربوبيته، لأنه هو الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم، دون من تعبدونه من الأوثان. ﴿فماذا بعد الحقِّ إلا الضلال﴾ أي : ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن تخطى الحق ـ الذي هو عبادة الله ـ وقع في الضلال.
قال ابن عطية : حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والضلال منزلة ثالثة في هذه المسألة ـ التي هي توحيد الله تعالى ـ وكذلك هو الأمر في نظائرها، وهي مسائل الأصول التي الحقّ فيها في طرف واحد، لأن الكلام فيها إنما هو في تقرير وجود ذات كيف هي، وذلك بخلاف مسائل الفروع التي قال تعالى فيها :﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة : ٤٨]. هـ.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٧
فأَنَّى تُصرَفُون﴾ عن الحق إلى الضلال.
﴿كذلك حقت كلمة ربك من الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون﴾ أي : كما حق الحق في الاعتقادات ؛ ﴿كذلك حقتْ﴾ أي : وجبت وثبتت ـ ﴿كلمةُ ربك﴾ في اللوح المحفوظ ﴿أنهم لا يؤمنون﴾، وذلك في قوم مخوصين. قال البيضاوي : أي : كما حقت الربوبية لله، أو أن الحق بعده الضلال، أو أنهم مصروفون عن الحق، كذلك حقت كلمة الله وحكمه، ﴿على الذين فسقوا﴾ : تمردوا في كفرهم، وخرجوا عن حد الإصلاح ﴿أنهم لا يؤمنون﴾، وهو بدل من الكلمة، أو تعليل لها، والمراد بها العِدَة بالعذاب. وقرأ نافع وابن عامر :" كلمات " بالجمع هنا، وفي آخر السورة، وفي غافر. هـ.