الإشارة : قل من يرزقكم من سماء الأرواح علوم الأسرار والحقائق. ومن أرض النفوس علوم الشرائع والطرائق ؟ أمَّن يملك السمع والابصار فيصرفهما إلى سماع الوعظ والتذكار، ونظر التفكر والاعتبار ؛ ليلتحق صاحبهما بالمقربين والأبرار، وقدَّم السمع لأنه أنفع لإيصال النفع إلى القلب من البصر. أم من يخرج الحي من الميت، فيخرج العارف من الجاهل، والذاكر من الغافل، أو يخرج القلب الحي من الميت ؛ بحيث يحييه بالمعرفة بعد الجهل ؟ ومن يدبر الأمر لخواص عباده ؟ أي : تدبيراً خاصاً، بحيث يقوم لهم بتدبير شؤونهم، حيث لم يدبروا معه. فمن لم يدبر دبر له، فالفاعل لهذه الأمور هو الحق
١٥٨
المنفرد بالوجود، فكل ما سواه باطل، كما قال القائل :
ألا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللًّه بَاطِلُ
وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ
قال ﷺ :" أَصْدَقُ كَلِمَةُ قَالَها الشاعِرُ كَلَِمَةُ لَبيدٍ : أَلا كُلُ شيءٍ... " الخ. فكل من صُرف عن شهود الحق إلى نظر السِّوى فهو في ضلال. قال تعالى :﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون﴾، لكن من حقت عليه كلمة الشقاء لا يُؤمن بأهل الفناء والبقاء، فلا يزال في تعب وشقاء ؛ إذ لا طريق إلى شهود الحق وإفراده بالوجود إلا بصحبة أهل الفناء والبقاء، الموصوفين بالكرم والجود، واعلم أن كل من لم يصل إلى مقام الشهود، فهو ضال عندهم في مذهبهم، وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٧
قلت : من قرأ (يَهَدّي) بفتح الهاء، فأصله : يهتدي، نُقِلت حركة التاء إلى الهاء، وأدغمت في الدال. ومن قرأ بكسر الهاء فعلى التقاء الساكنين، حين سكنت التاء لتدغم. ومن كسر الياء فعلى الاتباع، ومن قرأ بالاختلاس فإشارة إلى عروض الحركة، ومن قرأ :" يهدي " بالسكون، فمعناه يهدي غيره.


الصفحة التالية
Icon