يقول الحق جل جلاله :﴿قل﴾ لهم :﴿هل من شركائكم من يبدأُ الخلقَ﴾ بإظهاره للوجود ﴿ثم يُعيده﴾ بالبعْث. فإن قلت كيف يحتج عليهم بالإعادة، وهم لا يعترفون بها ؟ فالجواب : أنها لظهور برهانها وتواتر أخبارها كأنها معلومة عندهم، فلو أنصفوا ونظروا لأقروا بها، ولذلك أمر الرسول بأن ينوب عليهم في الجواب، فقال :﴿قل اللهُ يبدأُ الخلق ثم يُعيده﴾ : لأن لجاجهم وجحودهم لا يتركهم يعترفون بها، ولذلك قال لهم :﴿فأنى تُؤفكون﴾ : تُصرفون عن سواء السبيل، و ﴿قل﴾ لهم أيضاً :﴿هل من شركائكم من يهدي إلى الحق﴾ بنصب الدلائل، وإرسال الرسل، والتوفيق للنظر والتدبر ؟ ﴿قل اللهُ يهدي للحق﴾. قال البيضاوي : وهدى كما يعدى بإلى ؛ لتضمنه معنى الانتهاء، يعدى باللام للدلالة على منتهى غاية الهداية. انظر تمامه.
﴿أفمن يَهدي إلى الحق﴾ وهو الحق ﴿أحقُّ أن يُتبع أمَّن لا يهدي﴾ إلى شيء، فأولى
١٥٩
ألا يهدي غيره ﴿إِلا أن يُهدى﴾ ؟ أي : إلا أن يهديه غيره، وهي معبوداتهم، كالملائكة والمسيح وعزير، فلا يستطيعون أن يهدوا أنفسهم إلا أن يهديهم الله. وحمل ابن عطية الآية على الأصنام، وقال : معنى قوله :﴿أمن لا يهدي إلا أن يهدى﴾ هي عبارة عن أنها لا تنتقِل إلا أن تنقلَ. قال : ويحتمل أن يكون ما ذكره الله من تسبيح الجمادات ؛ هو اهتداؤه. ويحتمل أن يكون الاستثناء في اهتدائها إشارة إلى مناكرة الكفار يوم القيامة حسبما مضى في هذه السورة. هـ. ﴿فما لكم كيف تحكمون﴾ أي : أيُّ شيء حصل لعقولكم، فكيف تحكمون بشيء يقتضي العقل بطلانه بأدنى تفكر ؟.
اِلإشارة : في الآية تحريض على رفع عن السِّوى، إلى من بيده البدء والإعادة، والإرشاد والهداية، إلا من جعل على يديه الإرشاد والهداية، وهم الأنبياء والأولياء والعلماء الأتقياء، فالخضوع إليهم خضوع إلى الله على الحقيقة، واتباعهم اتباع لله على الحقيقة، وكل من تبع غيرهم فإنما يتبع الظن والهوى دون الحق.


الصفحة التالية
Icon