يقول الحق جل جلاله :﴿وما كان هذا القرآنُ أن يفترى من دون الله﴾ أي : صح له أن يفترى من الخلق، إذ لا قدرة له على ذلك، ﴿ولكن﴾ كان ﴿تصديقَ الذي بين يديه﴾ من الكتب، أو : ولكن أنزله تصديقاً لما سلف قبله من الكتب الإلهية، المشهود على صدقها ؛ لأنه مطابق لها، فلا يكون كذباً، كيف وهو لكونه معجزاً عيار عليها، شاهد على صحتها ؟ ﴿وتفصيلَ الكتاب﴾ أي : وأنزله تفصيلَ ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع، التي تضمنها الكتاب، ﴿لا ريبَ فيه﴾ : لا ينبغي أن يرتاب فيه ؛ لما احتفّت به من شواهد الحق، وارتياب الكفار فيه كلا ريب. كائناً ﴿من رب العالمين﴾، أول نزل منه.
﴿أم﴾ : بل ﴿يقولون افتراه﴾ محمد من عند نفسه ؟ ﴿قل فأتُوا﴾ أنتم ﴿بسورةٍ مثله﴾ في البلاغة وحسن النظم، وجودة المعنى، فإنكم مثلي في العربية والفصاحة، ﴿وادعوا من استطعتم﴾ : مَنْ قدرتم عليه من الجن والإنس، يُعينكم على ذلك، ﴿من دون الله﴾ فإنه وحده قادر على ذلك، ﴿إن كنتم صادقين﴾ أنه مفترىً.
﴿بل كذّبوا﴾ أي : سارعوا إلى التكذيب ﴿بما لم يُحيطُوا بعلمه﴾ وهو القرآن، بحيث لم يستمعوه، ولم يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه، حتى يعلموا أحق هو أم لا، أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علماً، من ذكر البعث والجزاء، وسائر ما يخالف دينهم، ﴿ولمَّا يأتهم تأويلُهُ﴾ أي : ولم يقفوا بعدُ على تأويله، ولم تبلغ أذهانهم معانيه، أو لم يأتهم بعدُ تأويلُ ما فيه من الإخبار بالغيوب، حتى يتبين لهم أنه صدق أو كذب، والمعنى : أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى، ثم إنهم فاجؤوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه، ويتصفحوا معناه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦١