ومعنى التَّوقع في ﴿لمَّا﴾ : أنه قد ظهر بالآخرة إعجازه ؛ لمّا كرر عليهم التحدَّي ؛ فزادوا أذْهانهم في معارضته ؛ فتضاءلت دونها، أو لمّا شاهدوا وقوع ما أخبر به طبق ما أخبر مراراً فلم يقلعوا عن التكذيب تمرداً وعناداً. قاله البيضاوي. قال ابن جزي : لمَّا يأتهم ما فيه من الوعيد لهم، أي : وسيأتيهم يوم القيامة أو قبله. ﴿كذلك كذَّب الذين من قبلهم﴾ أنبياءهم، ﴿فانظر كيف كان عاقبةُ الظالمين﴾، فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم.
﴿ومنهم﴾ من المكذبين ﴿من يؤمن به﴾ أي : يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند، أو مَن يؤمن به ويتوب عن كفره، ﴿ومنهم من لا يؤمن به﴾ في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره، أو لا يؤمن فيما يستقبل فيموت على كفره، ﴿وربك أعلم بالمفسدين﴾ : بالمعاندين أو المصرين.
الإشارة : إذا تطهرت القلوب من الأغيار، وتصفّتْ من الأكدار، أوحى إليها بدقائق العلوم والأسرار، وما كان لتلك العلوم أن تُفترى من دون الله ؛ ولكن تكون تصديقاً لما
١٦٢
قبلها من علوم القوم وأسرارها، التي يهبها الله لأوليائه، وفيها تفصيل طريق السير، وما أوجبه الله على المريدين من الآداب، وشروط المعاملة، فمن طعن في ذلك فليأت بشيء من ذلك من عند نفسه، ويستعنْ على ذلك بأبناء جنسه، بل كذَّب بما لم يُحط به علمُه، ولم يبلغه عقلُه وفهمُه، فإن كشفت عند الله الحقائق ظهر تأويل ما ينطق به أهل الحقائق، ومن الناس من يؤمن بهذه الأسرار، ومنهم من لا يؤمن بها ويطعن على أهلها، حتى ربما رموهم بالزندقة لأجلها، وربك أعلم بالمفسدين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦١