قلت :" من " الموصولة لفظها مفرد، معناها واقع على الجمع أو غيره، فإن عاد الضمير عليها جاز فيه مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ، فقوله :﴿ومنهم من يستمعون﴾ راعى جانب المعنى، وقوله :﴿ومنهم من ينتظر﴾ راعى جانب اللفظ، فإن راعى أولاً اللفظ جاز أن يرجع إلى مراعاة المعنى، كقوله :﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىا إِذَا خَرَجُواْ﴾ [محمد : ١٦] وأما إن راعى أولاً المعنى فلا يرجع إلى مراعاة اللفظ، لأن مراعاة المعنى أقوى. أنظر الإتقان.
يقول الحق جل جلاله :﴿وإن كذبوك﴾ ؛ كذبك قومك بعد إلزام الحجة لهم ﴿فقل﴾ لهم :﴿لي عملي ولكم عملكم﴾ أي : فتبرأ منهم وقل لهم : لي جزاء عملي، ولكم جزاء عملكم، حقاً كان أو باطلاً، ﴿أنتم بريئون مما أعملُ وأنا بريء مما تعملون﴾، لا تؤاخذهم بعملي، ولا أُؤاخذ بعملكم، ولأجل ما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل : إنه منسوخ بآية السيف.
﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾ إذا قرأت القرآن، أو علمت الشرائع، ولكن لا يقبلون، كالأصم الذي لا يسمع أصلاً، ﴿أفأنتَ تُسمع الصُّمَّ﴾ تقدر على إسماعهم ﴿ولو كانوا لا يعقلون﴾ أي : ولو انضم إلى مصممهم فَقْدُ عقولهم، فهو احرى في عدم الاستماع.
قال البيضاوي : وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام هو فهم المعنى المقصود منه، ولذلك لا توصف به ـ أي : بالاستماع ـ البهائم، وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل وتدبره. وعقولهم لما كانت مؤوفة ـ أي : قاصرة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد بعدت أفهامهم عن فهم الحِكَم والمعاني الدقيقة، فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما
١٦٣
ينتفع به البهائم من كلام الناعق. هـ.


الصفحة التالية
Icon