﴿ومنهم من ينظر إليك﴾ أي : يعاينون دلائل نبوتك، ولكن لا يصدقون، كأنهم عمي عنها، ﴿أفأنت تهدي العُمْيَ﴾ : تقدر على هدايتهم ﴿ولو كانوا لا يُبصرون﴾ أي : وإن انضم إلى عدم البصرَ عدم البصيرة، فإن المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار، والعمدة في ذلك البصيرة، فإذا فقدت فلا اعتبار ولا استبصار، ولذلك يُحدس الأعمى المتبصر، ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق. والآية كالتعليل للأمر بالتبري.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٣
إن الله لا يظلم الناسَ شيئاً﴾
بسلب حواسهم وعقولهم، ﴿ولكن الناس أنفسَهم يظلمون﴾ بإفسادهم وإهمالها، وتفويت منافعها عليهم. وفيه دليل على أن للعبد كسباً، وأنه ليس مسلوب الاختيار بالكلية، كما زعمت الجبرية، ويجوز ان يكون وعيداً لهم، بمعنى : أن ما يحيق يوم القيامة من العذاب عدل من الله، لا يظلمهم به، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابه. قاله البيضاوي.
الإشارة : إذا رأى أهل الوعظ والتذكير قوماً غرقوا في بحر الهوى، وأخذتهم شبكة الدنيا واستتحوذت عليهم الغفلة، فذكروهم وبذلوا جهدهم في نصحهم، فلم يقلعوا، فليتبرؤوا منهم، وليقولوا : نحن براءٌ مما تعملون، وأنتم بريئون مما نعمل. ومنهم من يستمع إلى وعظك أيها الواعظ، ولكن لا يتعظ، أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من يشاهد كرامتك وخصوصيتك ولكن لا يهتدي، فأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ؟ ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئاً﴾، بل في كل زمان يبعث من يذكر ويُدَاوي أمراض القلوب، ﴿ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾، حيث حادوا عنهم، وأساؤوا الظن بهم، وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٣


الصفحة التالية
Icon