قلت :﴿كأن لم يلبثوا﴾ : حال، أي : نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة. أو صفة ليوم، والعائد محذوف، أي : كأن لم يلبثوا قبله، أو لمصدر محذوف، أي : حشراً كأن لم يلبثوا قبله. وجملة :﴿يتعارفون﴾ : حال أخرى مقدرة، أو بيان لقوله :﴿كأن لم يلبثوا﴾، أو لتعلق الظرف، والتقدير : يتعارفون يوم نحشرهم :" وإما " : شرط، و ﴿نرينك﴾ فعله، ﴿أو نتوفينك﴾ : عطف عليه. ﴿فإلينا﴾ جواب ﴿نتوفينك﴾، وجواب الأول
١٦٤
محذوف، أي : إن أريتك بعض عذابهم في الدنيا فذاك، وإن توفيناك قبل ذلك فإلينا مرجعهم.
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿يومَ نحشُرهم﴾ ونجمعهم للحساب، فتقصر عندهم مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ، ﴿كأن لمْ يلبثوا إلا ساعةً من النهار﴾ يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، أو في القبور ؛ لهول ما يرون، حال كونهم ﴿يتعارفون بينهم﴾ أي : يعرف بعضهم بعضاً، كأن لم يتفارقوا إلا قليلاً، وهذا في أول حشرهم، ثم ينقطع التعارف ؛ لشدة الأمر عليهم لقوله ﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج : ١٠]
﴿قد خَسِرَ الذين كذَّبُوا بلقاءِ الله﴾ خسرانا لا ربح بعده ﴿وما كانوا مهتدين﴾ إلى طريق الربح أصلاً، أو إلى طريق توصلهم إلى معرفة الله ورضوانه، لترك استعمال ما منحوه من العقل فيما يوصل إلى الإيمان بالله ورسله، فاستكسبوا جهالات أدت بهم إلى الرّدى والعذاب الدائم.
﴿وإما نُرينّك﴾ أي : مهما نبصرنك ﴿بعضَ الذي نَعِدُهم﴾ من العذاب في حياتك، كما أراه يوم بدر. ﴿أو نتوفينَّك﴾ قبل أن نريك ﴿فإلينا مَرجِعُهم﴾ فنريكه في الآخرة، ﴿ثم اللهُ شهيدٌ على ما يفعلون﴾، فيجازيهم عليه حينئذٍ، فالترتيب إخباري.
وقال البيضاوي، تبعاً للزمخشري : ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها، وهو العقاب، ولذلك رتبها على الرجوع بثم، أو مؤدِّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤


الصفحة التالية
Icon