الإشارة : قد جعل الله في خواصِّ أوليائه موعظة للناس بما يسمعون منهم من التذكير والإرشاد وشفاء لما في الصدور، لما يسري منهم إلى القلوب من الإمداد، وما يكتسبه مَنْ صحبهم من أنوار التحقيق، وهدى إلى صريح العرفان وإشراق أنوار الإحسان، ورحمة بسكون القلوب والطمأنينة بذكر علام الغيوب، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، ففضل الله : أنوار الإسلام والإيمان، ورحمته : أنوار الإحسان، أو فضل الله : أحكام الشريعة، ورحمته : الطريقة والحقيقة، أو فضل الله : حلاوة المعاملة، ورحمته : حلاوة المشاهدة، أو فضل الله : استقامة الظواهر، ورحمته : استقامة البواطن، أو فضل الله : محبته، ورحمته : معرفته. إلى غير ذلك مما لا ينحصر، ولم يقل : فبذلك فلتفرح يا محمد ؛ لأن فرحه ﷺ بالله، لا بشيءٍ دونه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٨
قلت :(ما أنزل) : نصب بأنزل أو بأرأيتم ؛ لأنه بمعنى اخبروني.
يقول الحق جل جلاله :﴿قل أرأيتم﴾ : أخبروني ﴿ما أنزل الله لكم من رزقٍ﴾ بقدرته، وإن سترها بالأسباب العادية، وقوله :﴿لكم﴾ دل على أن المراد منه : ما حلّ، ولذلك وبَّخ على التبعيض بقوله :﴿فجعلتم منه حراماً وحلالاً﴾ كالبحائر وأخواتها، ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـاذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىا أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام : ١٣٩].
﴿قل﴾ لهم :﴿آللَّهُ أَذِنَ لكم﴾ في التحريم والتحليل، فتقولون ذلك عنه، ﴿أم على الله تفترون﴾ في نسبة ذلك إليه ؟. ﴿وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذبَ يوم القيامة﴾، أيُّ شيء ظنهم يفعل بهم، أيحسبون أنه لا يجازيهم عليه ؟ وفيه تهديد عظيم لهم، ﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾، حيث أنعم عليهم بالعقل، وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع لهم الأحكام، ﴿ولكن أكثرهم لا يشكرون﴾ هذه النعمة.


الصفحة التالية
Icon