يقول الحق جل جلاله :﴿وما تكون في شأنٍ﴾ أي : أمر من الأمور، والخطاب للنبي ﷺ والمراد هو وجميع الخلق، ولذلك قال في آخرها. ﴿ولا تعملون من عمل﴾، ومعنى الآية : إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، ﴿وما تتلو منه من قرآنٍ﴾ أي : وما تتلو شيئاً من القرآن، أو وما تتلو من الله من قرآن، أي : تأخذه عنه. ﴿ولا تعملون من عملٍ﴾ أي عمل كان، وهو تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم، ولذلك ذكر الحق تعالى، حيث خص بالذكر ما فيه فخامة وتعظيم، وذكر حيث عمم ما يتناول الجليل والحقير، أي : لا تعلمون شيئاً ﴿إلا كنا عليكم شهوداً﴾ : رقباء مطلعين عليه ظاهراً وباطناً، ﴿إذ تُفيضون فيه﴾ : حين تخوضون فيه وتندفعون إليه، يقال : أفاض الرجل في الأمر : إذا أخذ فيه بجد واندفع إليه، ومنه ﴿فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾ [البقرة : ١٩٨]، ﴿وما يَعْزُبُ عن ربك﴾ أي : ما يغيب عنه ﴿مثقال ذرةٍ﴾ : ما يوازن نملة، ﴿في الأرض ولا في السماء﴾ والمراد : لا يغيب عنه شيء في الوجود بأسره، وخصهما لأن العامة لا تعرف غيرهما. قال في الكشاف : فإن قلت : لِمَ قدَّم هنا الأرض بخلاف سورة سبأ ؟ فالجواب : أن السماء قدمت في سبأ لأن حقها التقديم، وقدمت الأرض هنا لما ذكرت الشهادةُ على أهل الأرض. هـ. ﴿ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين﴾ أي : اللوح المحفوظ، أو علمه تعالى المحيط، المُبيّن للأشياء على ما هي عليه.
الإشارة : هذه الآية وأمثالها هي أصل المراقبة عند القوم، وهي على ثلاثة أقسام : مراقبة الظواهر، ومراقبة القلوب، ومراقبة السرائر. فالأولى للعوام، والثانية للخواص، والثالثة لخواص الخواص.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠


الصفحة التالية
Icon