فأما مراقبة الظواهر : فهي اعتقاد العبد أن الله يراه، ومطلع عليه في كل مكان، فينتجُ له الحياء من الله، فيستحيي أن يسيء الأدب معه وهو بين يديه، وفي بعض الأخبار القدسية :" إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم، فالخَللُ في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلِمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ ". وقال ـ عليه الصلاة والسلام " أفضل الناس إيماناً من يعلم أن الله معه في كل مكان " أو كما قال ﷺ : ورُوي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرَّ براعي غنم، فقال له : أعطنا شاة من غنمك، فقال له : ليست لي. فقال له : لصاحبها أكلها الذئب، فقال له الراعي : وأين الله ؟ !. ورُويَ أن رجلاً خلا بجارية فراودها على المعصية، وقال لها : لا ترانا إلا الكواكب، فقال له : وأين مُكوكُبها ؟.
وأما مراقبة القلوب فهي : تحقيق العبد أن الله مطلع على قلبه، فيستحي منه أن
١٧١
يجول فيما لا يعني، أو يدبر ما لا يفيد ولا يجدي، أو يهم بسوء أدب ؛ فإنْ جال في ذلك استغفر وتاب.
وأما مراقبة السرائر فهي : كشف الحجاب عن الروح، حتى ترى الله أقرب إليها من كل شيء، فتستحي أن تجول فيما سواه من المحسوسات، فإن فعلت بادرت إلى التوبة والاستغفار، فالتوبة لا تفارق أهل المراقبة مطلقاً، وقد تقدم في أول سورة النساء بعض الكلام على المراقبة، فمن لم يُحْكِم أمر المراقبة، لم يذق أسرار المشاهدة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠
قلت :" الذين آمنوا " : صفة للأولياء، أو منصوب على المدح، أو مرفوع به على تقدير :" هم " أو مبتدأ، و " لهم البشرى " : خبر،
يقول الحق جل جلاله :﴿ألا إن أولياءَ الله﴾ الذين يتولونه بالطاعة، وهو يتولاهم بالكرامة ﴿لا خوفٌ عليهم﴾ من لحوق مكروه، ﴿ولا هم يحزنون﴾ بفوات مأمول.


الصفحة التالية
Icon